Take a fresh look at your lifestyle.

دولة جنوب السودان فشلٌ ذريع لأمريكا

 

دولة جنوب السودان دولة جديدة، تمخضت عن مساعي أمريكا للسيطرة على إمدادات النفط الضخمة في البلاد، وتمكين كيان يهود من النفاذ إلى القارة الأفريقية؛ لتلبية احتياجاتها من النفط، والحفاظ على أمنها الذي ينحدر بسرعة إلى هاوية الفوضى.

إنّ واشنطن تسعى جاهدة في جنوب السودان لمنع حرب أهلية واسعة النطاق، يكون طرفا النزاع فيها عملاء الغرب، الرئيس سلفا كير، ونائبه السابق الرئيس رياك مشار، حيث يستخدم كل منهما الناحية القبلية لإثبات حقه في حكم الدولة الأفريقية الوليدة، التي يعيش فيها 10 ملايين نسمة.

ظهرت أولى بوادر الصراع على السلطة السياسية داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان في تموز/يوليو 2013م، عندما أقال الرئيس سلفا كير حكومته بأكملها في محاولة منه للحد من طموحات نائبه القوية. ولم تجتح هذه التوترات الجيشَ الشعبي لتحرير السودان (SPLA) فحسب، بل وأيضاً أكبر القبائل في جنوب السودان: قبيلة الدينكا التي ينحدر منها كير (وهي أكبر القبائل في جنوب السودان)، وقبيلة النوير التي ينحدر منها مشار. وقد اندلعت أعمال عنف كبيرة بين القبيلتين عندما سعت الدينكا في الحرس الرئاسي في العاصمة جوبا إلى نزع سلاح رفقائهم من النوير في 15 كانون الأول/ديسمبر 2013م، وازداد الوضع سوءاً عندما اتّهم الرئيس كير علناً مشار بالتآمر للقيام بانقلاب ضده.

إن جميع التدابير التي رتبتها أمريكا على عجل في إثيوبيا، لكبح جماح مشار من خلال رئيس أوغندا يوري موسيفيني (رجل أمريكا القوي في المنطقة)، بتعبئة 7500 من قوات حفظ السلام للأمم المتحدة، وغيرها من التدابير، كلها فشلت في وقف العنف، وما كان يوصف بأنه انتصارٌ للسياسة الخارجية للرئيس أوباما، يبدو وكأنه أصبح كارثة كبرى.

وفي عام 2005م، وقّعت الحركة الشعبية لجنوب السودان والخرطوم اتفاقية سلام شاملة، تعطي أهل جنوب السودان الحق في التصويت من أجل الاستفتاء على الاستقلال. وفي تموز/يوليو 2011م، صوّتت جنوب السودان – وتحت رعاية الولايات المتحدة – للتخلي عن السودان، ومنحت أمريكا البلد الجديد قطعةً هامة من السودان؛ للسيطرة على قدر أكبر من موارد النفط في الجنوب، وللحدّ من نفوذ الصين المتنامي. ومع ذلك كانت البلاد عرضة لنوبات من نزاع الحرب الأهلية، ما دفع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في عام 2010م إلى إصدار تحذير، جاء فيه: “إن القتل الجماعي أو الإبادة الجماعية الجديدة، هو أكثر ما يحتمل حدوثه في جنوب السودان على مدى السنوات الخمس المقبلة”.

لقد عرّض زواج المصلحة بين كير ومشار الحكومة السودانية في الخرطوم للانهيار، فعندما حصلت جنوب السودان على الاستقلال، أصبحت واشنطن المسيطرة على مختلف شئون البلاد. إضافة إلى تعرض العلاقات بين كير ومشار أيضاً للانهيار، الذي بلغ ذروته بموجة من حوادث القتل التي تشهدها البلد اليوم.

وبغضّ النظر عن تفوق أمريكا عسكرياً، وقدرتها على توفير مليارات الدولارات في صورة مساعدات، فإن لدى أمريكا فيما يتعلق ببناء الدول سجلاًّ فظيعًا، فالمشاريع الأمريكية في الصومال وأفغانستان والعراق وليبيا… وغيرها من البلدان، خلّفت دماراً وخيبة في “الحرية والديمقراطية” المزعومة، وجنوب السودان هي إحدى تلك الدول الفاشلة التابعة لأمريكا.

إنّ دولة جنوب السودان هي دليلٌ واضح على عجز أمريكا عن بناء “أمة”، أو تحقيق استقرار في البلاد التي تغزوها، سواء من خلال الدبلوماسية أو العمل السياسي. ويصبح التفوق العسكري الأمريكي أشد عقماً عند تعريض المكاسب في ميدان المعركة للمساومة السياسية، التي يستغلها السياسيون الأمريكيون لتنفيذ الحلول السياسية التي يعتقدون أنها أكثر فعالية، ولكنها حقيقة قد تكون أسوأ من فشل أمريكا في بناء الدول. وهذا ما يعزز الاعتقاد بأن أمريكا لا يمكنها إنجاز هكذا مهام، وأنها جيدة في إسقاط الأنظمة ولا شيء آخر.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عابد مصطفى

 

 

2014_01_06_South_Sudan_is_America_AR_OK.pdf