Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الثامنة والثمانون

 

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

الحلقة الثامنة والثمانون

 

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

 

تاسع عشر: من الأخلاق الذميمة الشح والبخل: قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}. (التغابن16). وقال: {وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى}. (الليل10)

 

وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم”. رواه مسلم.

 

وعن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الدعوات: “اللهم إني أعوذ بك من البخل والكسل, وأرذل العمر, وعذاب القبر, وفتنة المحيا والممات”. رواه مسلم.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع”. الهالع: الجازع, والخالع: يخلع فؤاده من شدة خوفه. رواه أحمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع شح وإيمان في قلب عبد أبدا”. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين، عليهما جبتان من حديد، من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها ولا تتسع”.

 

وفي الصحيحين عن أبي هريرة مفسرا للحديث السابق قال: “ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق, كمثل رجلين عليهما جبـتان من حديد أو جنـتان من حديد, قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما, فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه, حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها, قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جبـته فرأيـته يوسعها ولا تتسع”.

 

ولما كان البخيل يحبس نفسه عن الإحسان, ويمنعها عن البر والخير كان جزاؤه من جنس عمله فهو ضيق في الصدر ومنع من الانشراح, فهو صغير النفس، قليل الفرح, كثير الهم والغم والحزن، لا يكاد تقضى له حاجة ولا يعان على مطلوب، فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها, وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها.

 

وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخلوه فبقي قلبه في سجنه كما هو. والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه, وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه, فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح وقوي فرحه، وعظم سروره, ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقا بالاستكثار منها, والمبادرة إليها, وقد قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}. (الحشر9)

 

والفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والاهتمام في طلبه, والاستقصاء في تحصيله, وجشع النفس عليه. والبخل منع إنفاقه بعد حصوله، وحبه وإمساكه, فهو شحيح قبل حصوله, بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح، والشح يدعو إلى البخل, والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومن لم يبخل فقد عصى شحه، ووقي شره وذلك هو المفلح، وهذا تفسير قوله تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}. (الحشر9) وقيل: البخل هو المنع من مال نفسه والشح هو بخل الرجل من مال غيره. وقيل البخل ترك الإيثار عند الحاجة. قال عليه الصلاة والسلام: “اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم”. والسخي قريب من الله تعالى, قريب من خلقه ومن أهله, وقريب من الجنة, وبعيد من النار! والبخيل بعيد من الله تعالى, بعيد من خلقه ومن أهله, وبعيد من الجنة, قريب من النار! فجود الرجل يحبـبه إلى أضداده، وبخله يبـغضه إلى أولاده. 

 

وحد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة, وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة, وليس كما قال بعضهم: “من نقص عمله حد الجود بذل الموجود”. ولو كان كما قال هذا القائل لارتفع اسم السرف والتبذير، وقد ورد الكتاب بذمهما, وجاءت السنة بالنهي عنهما، وإذا كان السخاء محمودا فمن وقف على حده سمي كريما, وكان للحمد مستوجبا, ومن قصر عنه كان بخيلا, وكان للذم مستوجبا. والسخاء نوعان: فأشرفهما سخاؤك عما بيد غيرك، والثاني سخاؤك ببذل ما في يدك, فقد يكون الرجل من أسخى الناس وهو لا يعطيهم شيئا لأنه سخا عما في أيديهم, وهذا معنى قول بعضهم: السخاء أن تكون بمالك متبرعا, وعن مال غيرك متورعا! ولله در الناظم حيث قال:

 

ويظهر عيب المرء في الناس بخله          ويسـتره عنهم جميعا سخاؤه

 

تغـط بأثـواب السخـاء فإنني          أرى كل عيب فالسخاء غطاؤه

 

ويؤكد هذا المعنى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بقوله:

 

وإن كثرت عيوبك في البرايا             وسرك أن يكـون لها غطـاء

 

تستر بالسخـاء فكل عيـب              يغطيـه كما قيـل السخـاء

 

ولا تـر  للأعادي قـط  ذلا              فإن  شماتـة الأعـدا بـلاء

 

ولا ترج السماحة من بخيـل              فما في النـار للظمآن مـاء

 

فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

محمد أحمد النادي