Take a fresh look at your lifestyle.

العقدة الكبرى والعقد الصغرى – الحلقة الحادية والثلاثون

 

العقدة الكبرى والعقد الصغرى

الحلقة الحادية والثلاثون

 

 

ثالثَ عشرَ: عقدة الخوف

 

الخوف مظهرٌ من مظاهر غريزة البقاء عند الإنسان، الأصلُ في هذا المظهر كي يدفعَ الإنسانَ الأخطار عن نفسه، ويدفعَ عن نفسِه كل ما يمكنُ أن يهدّدَ بقاءَه، وكمالَ بقائه، ودوامَ بقائه، فالموتُ يُوجِدُ الخوفَ عن الإنسانِ لأنّه يُنهِي بقاءَه ويوقِفُ دوامَه واستمرارَه، والفقرُ يُوجِدُ الخوفَ عندَ الإنسانِ لأنّه يُنقِصُ كمالَ بقائِه، والمرضُ يوجِدُ الخوفَ عند الإنسانِ لأنّه يؤثّرُ على بقائِه، ويحرمُهُ حسنَ البقاءِ، والمستقبلُ والمجهولُ يوجِدُ الخوفَ عندَ الإنسانِ لعدمِ علمِه بما فيه، وما يمكنُ أن يحملَهُ له من أخطارٍ وتهديدٍ لبقائه. والغيبُ يوجِدُ الخوفَ عند الإنسانِ لعدم معرفةِ الإنسانِ كنهَهُ وماهيّتَه، وما يمكنُ أن يكونَ فيه من قوى تهدّدُ بقاء الإنسانِ. والأولادُ يوجدونَ الخوفَ عند الإنسانِ لأنَّ في زوالِهم وقفاً لاستمرارِ بقائه، وأقاربُ الإنسانِ وعشيرتُه يوجدونَ الخوفَ عند الإنسان لأنّه بهم يشدُّ ظهرَه، ويقوّي بقاءه، فأيُّ تهديدٍ لهم يشكّلُ تهديداً لبقائِه، وهكذا.

 

والخوفُ عند الإنسان يقابلُه الأمنُ والطمأنينةُ، قال الله سبحانه وتعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) فهذه القريةُ كانت آمنةً مطمئنة، ونتيجة لكفرها سلبها الله تعالى الأمنَ والطمأنينةَ، وأذاقها لباسَ الجوعِ والخوف بما صنعوا بكفرهم. وقد منَّ الله سبحانه وتعالى على قريش قبلَ الإسلام أنه أطعمهم من جوع، وأمَّنهم من خوف. فالأمنُ والطمأنينةُ على كل شيءٍ متعلقٍ بالحياة البشرية واستقرارها وامتدادها ورقيها هو الذي يسعى إليه كل إنسان في حياته.

 

والحلُّ الصحيحُ للعقدةِ الكبرى بالعقيدةِ الإسلاميةِ عالجَ الخوفَ عند الإنسان علاجاً جذرياً أولاً، وعلاجاً شاملاً ثانياً.

 

فمن حيث الحلُّ الجذريُّ، بربط سلوك الإنسانِ وأحاسيسه ومشاعرِهِ بمفاهيمِهِ، فقد زوّدتهُ العقيدةُ الإسلاميةُ بجملةٍ من المفاهيمِ تمنعُ تسرّبَ الخوفِ إلى نفس الإنسان، فقد أمّنتْهُ من أي خوفٍ على المستقبلِ أو الموت أو القضاء والقدر أو الرزق أو العجز والنقص والاحتياج والمحدودية أو الهزيمة أو الضلال، بالعقائد المتعلقة بكل ما سبق مما سبق بيانُه، أولها الإيمان بالله تعلى، وعقيدة الإيمان بالغيب، وعقيدة الإيمان باليوم الآخر، وعقيدة الأجل، وعقيدة القضاء والقدر، وعقيدة الرزق، وعقيدة التوكل، وعقيدة النصر، فمعتنقُ العقيدةِ الإسلاميةِ، الذي ارتضى حلّها للعقدة الكبرى حلاًّ عقلياً مقنعاً صحيحاً، يعتقدُ كل هذه العقائد، فلا يخافُ موتاً ولا عجزاً ولا نقصاً ولا احتياجاً ولا محدوديةً ولا ضعفاً ولا هزيمة ولا مصيبةً، ولا يخافُ جوعاً أو عطشاً أو عُرياً أو تشرداً، ولا يخافُ فقراً ولا فاقةً، ولا يخافُ على مستقبلٍ، ولا يخافُ من مجهولٍ، لأنَّ اللهً سبحانَه هو المتحكمُ في الكونِ المدبّرُ لأمره.

 

ومن حيث الحلُّ الشموليّ فإن العقيدة الإسلاميةَ لم تتركْ شيئاً يمكنُ أن يسببَ الخوفَ عند الإنسانِ إلا وعالجتْه، ذلكَ أنه تعالى العليمُ وحدَه بما خلقَ: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) بلى، وهو اللطيفُ الخبيرُ، وقال سبحانه وتعالى: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)، فهو سبحانه الذي خلقنا، وهو الأعلمُ سبحانه بما ركّبَ فينا من حاجات وقدراتٍ وخواص، فهو الأعلمُ بما يصلحُنا، فلم يتركْ شيئاً يمكنُ أن يسببَ لنا خوفاً إلا وأعطانا المفهومَ الصحيحَ لعلاجِه.

 

لقد طلبَ الله سبحانَه وتعالى من عبادِهِ أشياءَ إن فعلوها بشّرهم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فمنها:

 

-اتباع هدى الله سبحانه، (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).

 

-إسلام الوجِهِ إلى الله تعالى مع الإحسان: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).

 

-الإنفاق في سبيل الله على مختلف الأحوالِ والأزمان، دونَ منٍّ أو أذًى: قالَ سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقال عزّ وجلّ: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).

 

-الإيمان بالله، والعمل الصالح، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). وقد وعد سبحانه وتعالى من يتصفُ بالإيمانِ والعمل الصالح بالاستخلاف والتمكين في الأرض، وتبديلِ خوفِهم أمناً، فقال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

 

-الإيمان بالله تعالى حق الإيمان، والتقوى والإصلاح في العمل، قال سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقال سبحانه: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ،  لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، ووصفَ بمن يتصفو بهذه الصفات ويقومون بهذه الأعمال بأنهم أولياء الله. ووعد المؤمن العامل للصالحات أنه لا يخاف ظلماً ولا هضماً، ولا يخافُ بخساً ولا رهقاً: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)، وقال سبحانه: (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا).

 

 

كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير

أبو محمد – خليفة محمد – الأردن