Take a fresh look at your lifestyle.

معانٍ للهجرة

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

أيتها الأخوات الكريمات، ونحن في مناسبة الهجرة أردت بهذه الكلمات البسيطة أن أتناول موضوع الهجرة من زاوية تختلف عما كنا قد بحثناه وأظننا استوفيناه بحثاً ودرساً من حيث هدف الهجرة الوحيد وهو بناء الدولة؛ دولة الإسلام العظيمة التي تطبق الإسلام أحكاماً شرعية وترعى شئون من يحملون التابعية فيها وتحمل الإسلام دعوة خير ومحبة وهناء إلى العالمين عن طريق الدعوة والجهاد.

 

الزواية التي سأسلط عليها الضوء تتجلى في هذا الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله r يقول «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (رواه البخاري)

إن الهجرة وما يعنيه هذا الحديث عمل لا يتوقف ولن يتوقف، وهو الانتقال من حال إلى حال حسب ما تكون وجهة نظرك عليه في حياتك؛ فإذا كنت مسلماً تملك عقيدة متينة فإن حياتك وسلوكك ومفاهيمك وقناعاتك تكون قد هاجرت من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

 

وأريد أن ألفت النظر إلى هجرة أهلنا وإخوتنا في الشام إلى أوروبا وما سمعناه على قنوات الإعلام الممنهج وشاهدناه من مآسي أطفال ونساء غرقوا في مياه البحار واختنقوا في شاحنات النقل، وبالرغم من إعلان ميركل ودول أوروبا عن استقبال لاجئين من سوريا إلا أن أوساطاً تحذر من المد الإسلامي والخوف أن يسود المسلمون في العديد من دول أوروبا ديموغرافياً والخوف أن يصبح صوتهم السياسي صوتاً مرجحاً في الحياة السياسية الأمر الذي يؤثر على مجريات الحياة العلمانية، فهذه الهجرة التي ليست من دار كفر إلى دار إسلام إنما من دار كفر إلى دار كفر فراراً بأنفسهم وأولادهم من الموت والدمار والفاقة.

 

وقد حاولوا أن يشبهوها بهجرة المسلمين إلى الحبشة فراراً بدينهم من أذى قريش، ولكن هاتيك الهجرة كانت إلى رجل يعز عنده دين الله وينصر أصحابه، وقف معهم وأيدهم وهيأ لهم أسباب ذلك، وليس كما هاجر أهل الشام إلى دول الكفر دول أوروبا التي لا يدرون ماذا ينتظرهم هم وأولادهم في بلاد لا يقدرون فيها أن يتمسكوا بدينهم!

 

وأمام زخم المهاجرين الكبير من دول الحروب وأمام تدفقهم رغم ما يلاقون من صعوبات عمدت أوروبا أن تسير في خطين متوازيين أمام هذا الخطر:

 

أولاً- الحد من قبول طلبات المهاجرين المسلمين إليها وتفضيل النصارى على المسلمين، ومحاولة الكنيسة تنصير بعض اللاجئين إلى أوروبا.

 

ثانياً- هو المحاولة الجادة ضمن سياسة ممنهجة لدمج المسلمين في ثقافة أوروبا، وهذا دائماً على اللوائح الانتخابية الدعائية الانتخابية لسياسيي أوروبا للحيلولة دون أسلمتها.

 

وهناك أمور وحقائق أربع غاية في الأهمية يجب أن يدركها المسلمون المهاجرون:

 

  1. أن سبب شقاء اللاجئين والمهاجرين هو تلك الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي، فهم الذين أشقوا شعوبهم وأجاعوهم وظلموهم وحاربوهم في دينهم، وهؤلاء الحكام والأنظمة أسست على يد كبريات دول أوروبا بريطانيا وفرنسا التي يلجؤون إليها الآن.
  2. أن الدول الأوروبية هي دول رأسمالية نفعية قد شاخت وتفتقر إلى عامل الشباب والقوة العاملة وهناك الكثير من الوظائف التي لا تقبل شعوب أوروبا أن تعمل بها ويقبلها اللاجئون.
  3. أن أوروبا ستحاول جاهدة دمجهم في ثقافتها وخلعهم عن دينهم، فيجب أن يحذروها ويخافوا منها على أنفسهم وأبنائهم وننصحهم أن يسألوا عن حياة المسلم في أوروبا قال تعالى ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم﴾.
  4. أن المسلم أينما حل أو ارتحل هو جزء من أمة عظيمة، همُّه همُّ المسلمين وفرحه فرحهم، وهو حامل لدعوة رسول الله r وواجبه حمل الدعوة وتبليغها للناس كافة.

 

وللهجرة درس بليغ ولها معانٍ تضمنها الحديث السابق وهي: أنه إن كان لديك سلوك لا يرضي الله فينبغي أن تتوب عنه.. وإن كانت لك علاقة مشبوهة فيجب أن تقطعها. وبما أن المسلم كائن متحرك وليس ساكناً والإسلام حركة فيجب عليك أن تتحرك وفي معنى واسع ذكره رسول الله r فقال «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» عن معقل بن يسار أن رسول الله r قال: «العبادة في الهرج كهجرة إلي…». أي في زمن الفتن؛ زمن النساء الكاسيات العاريات، في زمن عمّ فيه الفسق والفجور، زمن الفضائيات، زمن الإنترنت، في زمن أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ولا يأمرون فيه بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، إن تكلم المؤمن قتلوه وإن سكت استباحوه، في زمن التناقضات.. زمن يسوّد الأمر لغير أهله، فالعبادة في هذه الظروف الصعبة تساوي الهجرة في زمن رسول الله r، والعبادة هي الانصياع الكامل لكل أوامر الله والابتعاد عن نواهيه، وإن كنت في مكان وحيل بينك وبين أن تعبد الله فإن كان بإمكانك أن تصلح هذا المكان فابق فيه، أما إذا مُنعت أن تُعبد الله ولا تستطيع أن تفعل شيئاً فعليك أن تغادر وتتركه بدليل قوله تعالى: ﴿انَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97] معنى مستضعفين أي لا نفعل شيئا وفق اختيارنا ولا نستطيع أن نعبد الله؛ بأن نؤدي شعائره، ولا نستطيع أن نصلي أو أن نحجب نساءنا.. أن تضعف أمام شهواتك… ففي هذا الواقع المرير يجب أن تهاجر من هذه الأرض إلى بلاد تؤدي فيه العبادات بحرية.

 

هذا هو مفهوم الهجرة الواسع؛ أن تهجر المعاصي إلى التوبة لمجرد أن تنتقل من موقع إلى موقع وطبعا نقصد المعنى الفكري السلوكي، وأنت مهما عظمت هذا الشرع العظيم وأثنيت عليه ومهما اعتززت بهذا الدين القويم، فإن لم تطبقه فلا قيمة لك عند الله أبداً، ولكن المعنى الشرعي للهجرة هو مغادرة دار الكفر إلى دار الإسلام يبقى هو المعنى الذي قام به رسول الله r من مكة إلى المدينة لينشئ دولة إسلامية قوية كانت نواة لدولة لا تغيب عنها الشمس ولها جيش لا يقهر امتدت فتوحاتها لثلاث قارات.

 

فما أحوجنا في ذكرى الهجرة أن نفهم دلالتها وعبرها وأن نأخذ منها ما ينير سبيلنا… لقد أصبح غار ثور مدرسة تعلم الصبر وترشد إلى السعادة بدواء.. لا تحزن..

وتنبىء عن عز الدنيا ورفعة الدين بعقيدة… إن الله معنا.. هو حافظنا وناصرنا.. بجنود لم تروها.. وستبقى كلمة الله هي العليا. ما أحوجنا أن نقتدي برسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ونوحد صفوفنا ونضاعف جهودنا لمواجهة التحديات متعاونين في وجه من يريد الشر والفتنة بأمتنا وديننا.

 

أعاد الله علينا ذكرى الهجرة ونحن قد بدأنا تاريخ دولتنا بإعلان البيان الأول…

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نسيبة إبراهيم – ولاية الأردن