Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف – الربا

 

مع الحديث الشريف 

 

الربا

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة المستمعون في كل مكان في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ‏ونبدأ بخير تحية فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

‏عَنْ ‏‏جَابِرٍ ‏‏قَالَ “لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ‏آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ” ‏رواه مسلم ‏

جاء في شرحِ النّوويِّ {هَذَا تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْمُبَايَعَةِ بَيْن الْمُتَرَابِينَ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا، ‏‏وَفِيهِ: تَحْرِيمُ الْإِعَانَةِ عَلَى الْبَاطِلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَم}‏

مستمعينا الكرام: مَنَعَ الشرعُ الرِّبا منعاً باتّاً مهما كانت نِسبَتُهُ سواءٌ أكانتْ كثيرةً أم قليلة. ومالُ الربا حرامٌ ‏قطعاً، ولا حقَّ لأحدٍ في مِلكيّتِهِ، ويُرَدُّ لأهلِهِ إنْ كانوا معروفين، قال الله تعالى: ‏((الذين يأكلون الربا لا ‏يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المَسّ ذلك بأنهم قالوا إنّما البيع مثل الربا وأحل الله ‏البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب ‏النار هم فيها خالدون))، وقال: ‏((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ‏فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون))‏.‏

والوَصْفُ الواقعُ للرّبا هو أنّ هذه الفائدةَ التي يأخذُها المُرابي هي استغلال ٌلِجُهْدِ الناسِ وهي جزاءٌ من غيرِ ‏بَذْلِ جُهد. ولأنّ المالَ الذي يؤخَذُ عليهِ ربا هو مضمونُ الفائدةِ غيرُ مُعرَّضٍ للخَسارة، وهذا يخالفُ قاعدةَ ‏‏”الغُرْمُ بالغُنْم”، ولذلكَ كان استغلالُ المالِ بالشركةِ والمُضارَبَةِ والمُساقاةِ بِشُروطِها جائزاً لأنه تنتفعُ به ‏الجماعةُ ولا يَستغِلُّ جهدَ آخَرِين، بل يكونُ وسيلةً تُمكِّنُهُم من الانتفاعِ بِجُهْدِ أنفُسِهِم وهو مُعرَّضٌ ‏للخسارةِ كما هو مُعرَّضٌ للرِّبح، وهذا بخلافِ الربا. على أنّ تحريمَ الربا إنّما كان بالنّصِّ ولم يُعلَّلْ هذا ‏النَّصُّ بِعِلَّة، وقد جاءت السّنّةُ مُبيِّنَةً الأموالَ الربوية.‏

غير أنه قد يتبادرُ للذهنِ أنّ صاحبَ المالِ مُحتَفِظٌ بِمالِهِ وقد لا يَسْخُو بإقراضِ المُحتاجِ لِقَضاءِ حاجَتِه، وهذه ‏الحاجةُ تُلِحُّ على صاحِبِها، فلا بدّ من وسيلةٍ لِسَدِّ هذه الحاجة. على أنّ الحاجةَ اليومَ تعدَّدَتْ وتنوعّتْ وصارَ ‏الربا قَوامَ التجارةِ والزراعةِ والصناعة، ولذلك وُجدتْ المصارفُ (البنوك) للتعاملِ بالربا، ولا وسيلةَ غيرَها، ‏كما لا وسيلةَ بغيرِ المُرابينَ لسدِّ الحاجات.‏

والجوابُ على ذلك أنّنا نتحدّثُ عن المجتمعِ الذي يُطبَّقُ فيه الإسلامُ جميعُهُ ومنه الناحيةُ الاقتصادية، لا عن ‏المجتمعِ بوضْعِهِ الحاضر، لأن هذا المجتمعَ بوضعِهِ الحاضرِ يعيشُ على النظامِ الرأسمالي، ولذلك بَرَزَ فيه كونُ ‏المصْرِفِ (البنك) من ضرورياتِ الحياة. فصاحبُ المال الذي يرى نفْسَهُ حُرّاً في مِلْكِه، والذي يرى أن له ‏حريةَ الاستغلالِ بالغِشِّ والاحتكارِ والقمارِ والربا وغيرِ ذلك دون رقابةٍ من دولةٍ أو تقيُّدٍ بقانون، لا شكّ ‏في أنّ مثلَ هذا يرى أن الربا والمصْرِفَ ضرورةٌ من ضرورياتِ الحياة.‏

ولذلك وجَبَ أن يُغيَّرَ النظامُ الاقتصاديُّ الحاليُّ بِرُمَّتِهِ وأنْ يوضَعَ مكانَه -وضعاً انقلابياً شاملاً- النظامُ ‏الإسلاميُّ للاقتصاد. فإذا أُزيلَ هذا النظامُ وطُبِّقَ النظامُ الإسلاميُّ بَرَزَ للناسِ أنّ المجتمعَ الذي يُطبِّقُ الإسلامَ ‏لا تظهَرُ فيه الضرورةُ إلى الربا، لأن المحتاجَ إلى الاستقراضِ إمّا أنْ يحتاجَهُ لأجْلِ العَيْشِ أو يحتاجَهُ لأجْلِ ‏الزراعة. أمّا الحاجةُ الأولى فقد سدَّها الإسلامُ بِضَمانِ العيش ِلكلِّ فردٍ من أفراد الرعية. وأمّا الحاجةُ الثانيةُ ‏فقد سدّها الإسلامُ بإقراضِ المحتاجِ دونَ ربا، فقد روى ابنُ حِبّانٍ وابنُ ماجَةَ عن ابنِ مسعودٍ أنّ الرسولَ ‏صلى الله عليه وسلم قال: {ما مِنْ مُسلِمٍ يُقرِضُ مُسلِماً قرضاً مرّتَيْنِ إلاّ كان كَصَدَقَتِها مَرَّةً}. وإقراضُ ‏المحتاجِ مَندوب، ولا يُكْرَهُ الاستقراضُ أيضاً، لأنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم كان يستقرِض. وما دام ‏الاستقراضُ موجوداً وقد برزَ للناسِ أنّ الرّبا ضررٌ من أشدِّ الأضرارِ على الحياةِ الاقتصادية، بل برَزَ للْعِيانِ ‏أنّ الضرورةَ تقضي باستبعادِ الربا وإيجادِ الحَوائِلِ الكثيفةِ بينَهُ وبينَ المجتمعِ بالتشريعِ والتوجيهِ وَفْقَ نظامِ ‏الإسلام.‏

وإذا عَدِمَ الربا لم تَبْقَ حاجةٌ للمصارفِ (البنوك) الموجودةِ الآن. ويبقى بيتُ المالِ وَحْدَهُ يقومُ بإقراضِ المالِ ‏بلا فائدة، بعد التحقُّقِ من إمكانيةِ الانتفاعِ بالمال. وقد أعطى عمرُ بنُ الخطابِ من بيتِ المالِ للفلاّحينَ في ‏العراقِ أموالاً لاستغلالِ أرْضِهِم. والحكمُ الشرعيُّ أنْ يُعْطَى الفلاّحونَ من بيتِ المالِ ما يتمكَّنُونَ به من ‏استغلالِ أراضِيهِمْ إلى أنْ تُخْرِجَ الغِلالَ. وعن الإمامِ أبي يوسُفَ “ويُعطَى للعاجزِ كِفايَتُهُ من بيتِ المالِ قَرْضاً ‏لِيَعْمَلَ فيها” أي الأرض. وكما يُقرِضُ بيتُ المالِ الفلاّحينَ للزراعةِ يُقرِضُ مَنْ هُمْ مِثْلُهُمْ مِمَّنْ يقومونَ ‏بالأعمالِ الفرديّةِ التي يحتاجونَ إليها لِكِفايَةِ أنْفُسِهِم. وإنما أعطى عُمَرُ الفلاحينَ لأنهمْ في حاجةٍ لِكِفايَةِ ‏أنْفُسِهِمْ في العيش فأُعْطُوا لهذه الكفاية، ولذلك لا يُعطَى الفلاحون الأغنياءُ من بيتِ المال شيئاً لزيادةِ ‏إنتاجهم. ويُقاسُ على الفلاحينَ مَنْ هُمْ مِثْلُهُمْ فيما هم في حاجةٍ إليه لكفايةِ أنفُسِهِم في العيْشِ، فقد أعطى ‏الرسولُ رَجُلاً حَبْلاً وفأساً لِيَحْتَطِبَ من أجْلِ أنْ يأكُل.‏

على أنّ تَرْكَ الربا لا يتوقّفُ على وجودِ المجتمعِ الإسلاميِّ أو وجودِ الدولةِ الإسلاميّةِ أو وجودِ من يُقرِضُ ‏المال، بل الربا حرامٌ ويجبُ تَرْكُهُ سواءٌ أَوُجِدَتْ دولةٌ إسلاميةٌ أم لم تُوْجَد، ووُجدَ مجتمعٌ إسلاميٌّ أم لم ‏يُوجَدْ، ووُجدَ مَنْ يُقرِضُ المالَ أم لم يُوْجَد.‏

مستمعينا الكرام والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة ‏الله وبركاته.‏