Take a fresh look at your lifestyle.

كيفية تحقيق التطور الصناعي والتكنلوجي ج1

 

مما لا شك فيه أن التقدم التكنولوجي والصناعي قد صار أمرا حيويا بالنسبة لكيان أي أمة في هذا العصر ، فقوة الأمم العسكرية والاقتصادية تعتمد إلى حد كبير على تقدمها التكنولوجي ، كما أن الاستقلال السياسي للأمم رهن بمقدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا وبشكل خاص على إقامة الصناعات الحديثة .

 

غير أن سوء التوزيع التكنولوجي في العالم من جراء وجود فكرة الاستعمار فيه ، قد جعل التكنولوجيا تتركز في عدد قليل من الدول ، والهوة بين هذه الدول والغالبية الساحقة من الدول الأخرى كبيرة إلى درجة تبعث على القلق ، لأن الدول الصناعية تحتكر أسرارها التكنولوجية ، وكل دولة منها ولاسيما الدولتين العظمتين : أمريكا وروسيا ، تحرص على تتبع أسرار التكنولوجيا عند الأخرى بمختلف الوسائل : بالتجسس وشراء الذمم وبسرقة الخرائط والتصاميم واستيراد المنتجات الصناعية وما شاكلها .

 

وإذا نظرنا إلى دول العالم اليوم فإننا نرى أنها تتفاوت بين دول صناعية كالولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان ، ودول غير صناعية وهي تشمل دول ما يسمى بالعالم الثالث أو الدول النامية وهي تشكل غالبية العالم ، وهناك دول فيها قواعد صناعية أجنبية ولكنها ليست دولا صناعية بالمعنى الحقيقي وإنما هي مجرد أدوات مسخرة في الصراع بين الدول الصناعية للتنافس فيما بينها على أسواق المنتجات الصناعية . وقد وقع اختيار الشركات المتعددة الجنسية على دول كتايوان وهونغ كونغ وكوريا والبرازيل لتوفر الأيدي العاملة الرخيصة فيها فأقيمت في هذه الدول صناعات السيارات والمنسوجات وصناعة السفن ، وأخذت هذه القواعد الصناعية تقلق الأوروبيين واليابانيين حيث تغرق الأسواق بالمنتجات بأسعار يصعب منافستها . ولاشك أن هذا العمل يخدم مصلحة أميركا التي تهدف إلى إعادة تحجيم كل من اليابان وألمانيا الغربية .

 

والذي يدل على أن هذه القواعد الصناعية الأجنبية ليست ناتجة عن تطور حضاري في البلدان التي تؤديها ، هو أن هذه البلدان لازالت متأخرة من الناحية الحضارية ، والتقدم الصناعي لا يفضل عن التقدم الحضاري بل هو مؤشر من مؤشراته ولذا فإن الدول الصناعية حين تزوّد الدول النامية المتخلفة بالمعدات والأجهزة الصناعية لتمكينها من التصنيع ، فهي أنما تهدف أن يكون لها نفوذ في هذه الدول ، وتهدف استخدام الصناعات فيها في حرب التسلط والسيطرة والتنافس فيما بينها على غزو الأسواق العالمية ، وهي حيث تتحدث من استخدام المنتجات الصناعية الحديثة ، ولذا فإنها ليست معنية بالطبع بأن تجعل الدول المتخلفة تستوعب التكنولوجيا إلى حد يمكنها من إقامة الصناعات بحيث تؤمن احتياجاتها فتتحول من أسواق استهلاكية لهذه الدول إلى منافس جديد على أسواق الأخرى .

 

من ذلك يتبين زيف ما يسمى بنقل التكنولوجيا إذ أن طريق القوة هو إقامة الصناعات الثقيلة التي تمكن البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي والتخلص من النفوذ الأجنبي وصرف النظر عن الاكتفاء بالصناعات الاستهلاكية أو المشاريع التي يقصد منها إبقاء البلاد زراعية وصرفها عن التصنيع الحقيقي . ولاشك أن قيام أي دولة بالتصنيع إنما هو بحد ذاته ثورة على النفوذ الأجنبي وتحد له ، وهو يخالف كل نظريات التنمية التي يعدها الغرب للدول المتخلفة والتي يسايره فيها المثقفون الذين وقعوا تحت تأثير سحره ، وهذه النظريات تقول بالتدرج وتهدف إلى إبقاء الدول المتخلفة أسواقا للدول الصناعية موردة للمواد الأولية ، لا بل أن دولة كأميركا تستخدم المؤسسات التي لها طابع دولي كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة كاليونيسكو و اليونيسف ووكالة التنمية وغيرها كأدوات لبسط السيطرة الاستعمارية على دول العالم الثالث ، كما أنها تعمل على إهدار طاقة هذه الدول ومواردها في صناعات استهلاكية لا تحقق لها النهضة الصناعية المبتغاة ، وتعمل على إبعاد الدول المتخلفة عن الطريق الصحيح للتصنيع .

 

إن التصنيع الحقيقي قد صار في هذا العصر أمرا سياسيا ، لأن معناه الثورة على النفوذ الأجنبي بكافة أساليبه ووسائله ، وهذا يقتضي عدم الاعتماد مطلقا على الدول الصناعية في القيام بالتصنيع ، ويفرض توجيه الطاقات والإمكانيات والموارد في البلاد الإسلامية قاطبة نحو التصنيع وعدم العناية بالزراعة إلا بمقدار ما يحقق زيادة الإنتاج في الثروة الزراعية الموجودة بحيث تؤمن كافة احتياجات الأمة للمواد الزراعية الضرورية كالمواد الغذائية وماشاكلها من المواد التي لا غنى عنها لأية أمة من الأمم .

 

وبما أن البلاد الإسلامية لازالت بلادا متخلفة ، ولا زالت تقوم على الزراعة ولا تكاد توجد فيها صناعة ، ولا نعنى فيها بذلك الصناعات الاستهلاكية الخفيفة ، وإنما نعني الصناعات التي تحقق التقدم المادي ، وتحقق الاكتفاء الذاتي للبلاد الإسلامية قاطبة . لذا فإن الطريق الوحيد للانتقال بالبلاد الإسلامية من حالة الاعتماد على الزراعة إلى الاعتماد على التصنيع وجعله رأس الحربة في سياسة زيادة الثروة ، هذا الطريق هو البدء بإقامة الصناعات الثقيلة وعدم الاعتماد على الصناعات التركيبية مطلقا ، وتشمل الصناعات الثقيلة ما يلي :

  1. صناعة الحديد والصلب .
  2. صناعة المحركات وتشمل محركات الطائرات والسفن والدبابات والجرارات والسيارات والصورايخ .
  3. صناعة هياكل الطائرات والسفن والعربات .
  4. الصناعات البتر وكيماوية .
  5. الصناعات الالكترونية .
  6. الصناعات النووية بما في ذلك الأسلحة .
  7. صناعة الفضاء .

 

ويسار في ذلك على النحو الآتي :

  1. أخذ الإسلام أخذا فكريا عقائديا ، لأن التحرر من النفوذ الأجنبي لا يمكن أن يقام به على أساس فكري عقائدي تتبناه قيادة سياسية واعية قادرة على كسب ثقة جمهور الناس بالفكر الذي تريد حتى تستطيع أن توجه طاقتهم لتحقيق الأهداف الصعبة كالتصنيع . وهذا الفكر من البداهة أن يقال أنه ليس الفكر الذي يقوم عليه الغرب ، وبالطبع ليس هو الاشتراكية ، إذ كيف يتأتى التحرر من نفوذ الروس والأمريكان والغرب قاطبة إذا كنا نقوم على نفس الأفكار التي قاموا عليها ؟ إننا لا نريد أن نقول أن أوروبا حين حصلت فيها الثورة الصناعية ، إنما حصلت حين اعتنقت الأفكار الرأسمالية وحين وجدت فيها صناعة الآلات وبالتالي الصناعات الثقيلة . ولا نريد أن نقول أن أمريكا وقد كانت مستعمرة لعدة دول إنما تقدمت ماديا حين حصلت فهيا النهضة الفكرية واعتنقت أفكار الديمقراطية والحريات وأفكار النظام الاقتصادي الرأسمالي ، وحينئذ حصلت فيها الثورة الصناعية بصناعة الآلات . ولا نريد أن نقول أن روسيا لم تكمل ثورتها الشيوعية ضد القيصرية إلا بعد أن اعتنقت الأفكار الاشتراكية والشيوعية ، وإلا بعد أن حصلت فيها الثورة الصناعية بصناعة الآلات . لا نريد أن نقول هذا وهو أمثلة محسوسة وبراهين قاطعة ومسكتة ، وإنما نريد أن نقول أن الواقع الذي تعيشه البلاد الإسلامية يحتم عليها القيام بالثورة الصناعية في الحال ، وأن التذمر من طريقة العيش الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية قد بلغ حدا يقرب من حد الانفجار ، فهم اليوم في شعور بضرورة فصلهم عن الغرب والشرق ، وفي شعور بضرورة تغيير طريقة عيشهم لتتجه نحو الإسلام باعتباره وحده الذي يحررها من نفوذ الغرب والشرق ، ويجعل بلادها بلادا صناعية تحتل مركزا مرموقا بين غيرها من الأمم ، بل تكون في مركز الدولة الأولى في العالم .

 

نتابع معكم إن شاء الله في حلقة قادمة.

 

أبو صالح