مفاهيم خطرة لضرب الإسلام التطرف والإعتدال – ج2
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمـتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسـلين, وآله وصحبـه أجمعين, ومن تـبـعه وسار على دربـه, واهتـدى بهديـه, واستـن بسـنـته إلى يوم الدين, واجعـلنا معهم, واحشرنـا في زمرتـهم, برحمتـك يا أرحم الراحمين.
أما بعد: إخوة الإيمان :
قبل أن نـمضي في الحديث عن التطرف والاعتدال , أو التشدد والتسامح نـقول: نحن بكــل بساطة مسلمون, نـعـتز بإسلامنا, والمسلم بكل بساطة أيضا يأخذ مفاهيمه من الإسلام, أي من كتاب الله, وسنة رسوله, وليس من الشرق أو الغـرب.
التطرف والاعـتدال :
التطرف ليس له دلالة شرعية , لأن هذه اللفظة لم تـرد في النـصوص, ولا استعملها فــقهاء الإسلام, ولذا فإنـه ليس لها سوى الدلالة اللغوية فحسب, فإذا أردنـا أن نستعملـها في الشـرع قــلنـا: إن التطرف هو مجاوزة الحدود التي وضعها الشرع , أي مخالفة أحكام الإسلام.
- فالتطرف هو البعد عن تقوى الله تبارك وتعالى, والوقـوف عند حافـة الهاوية المؤدية بصاحبها إلى الهلاك والعذاب في نار جهنـم, أعاذنـا الله وإيـاكـم من النار ومن عذاب النار! قال الله تبارك وتعالى في هـذا الشأن:{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } التوبة109.
- والاعتدال هوالاستقامة {مطلقا } وقد دعا الإسلام إلى الاستقامة عـلى منهج الله وشرع الله, جل في علاه. قال الله تعالى مخاطبا نبيه الكريم:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الزخرف43
وقال جل شأنـه: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }المؤمنون73
وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الشورى52
وقال تعالى واصفا دين الإسلام:{ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} يوسف40
والدين القيـم أي الدين المستقيم. وقال أيضا واصفا القرآن الكريم:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * }
وقال واصفا دعوة الإسلام ومنهج الإسلام:
{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153
وفوق ذلك فإن المسلم يتـجـه إلى الله في كــل صلاة , يدعوه في كــل ركعة حين يقرأ بفاتحة الكتاب أن يهديه الصراط المستقيم. وهذا الصراط خـاص بالمؤمنين الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان والهداية لدين الإسلام. وليس هو صراط المغضوب عليهم من اليهود, ولا هو صراط الضالين من النصارى.
قال تعالى محددا ما هو الصراط المستقيم:{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *}الفاتحة
وقد تساءل القرآن تساؤلا بليغا على سبيل الاستعارة التمثيلية, فقال تعالى:{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}الملك22 هذا بطريق التمثيل للمؤمن والكافر, فالمؤمن يمشي سويا على صراط مستقيم, والكافر يمشي كالأعمى على غـير هدى وبصيرة, مـكبـا على وجهه إلى طريق الجحيم, ويا لها من استعارة رائعة!!.
إخوة الإيمان:
بعد كــل هذا البيان والتوضيح يحق لنا أن نتساءل: من هم المتطرفــون, ومن هم المعتدلـون؟ للإجابة نقول: المتطرفـون هم أولئك الذين اختاروا لأنفسهـم شقـــا غير شق الله ورسوله, وسبيلا غير سبيل المؤمنين, ومنهجا غير منهج الله تبارك وتعالى, فوقــفـوا على طرف مناقض للإسلام. وقــفـوا عند الهاوية المــؤديـة بهم إلى جهنـم والعياذ بالله,
قال تعالى:{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً}النساء115
وقال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}الحشر4
وعـلى ذلك فالمـتطرفــون هـم الكفار وأعوانهم من المسلمين الذين انحرفوا عن منهج الله تبارك وتعالى. وأما المعتدلـون فهم المؤمنـون المـتمسـكـون بكتاب الله وسـنـة رسوله, الثابتـون عـلى الإسلام , السائرون على الصراط المستقيم الذي حدده الله رب العالمين.
هذا فيما يتعلـــق بالتطرف والاعتدال من وجهة نظر الإسلام, أما بخصوص التـشدد والتـعصب. فهناك حالات تقتضي من المؤمنين أن يقـفـوا الموقف المتشدد الذي يرضاه الله ورسولـه, ومن هذه الحالات التي تتطلــب الشدة :
أولا : الشدة عـلى الكفــار: قال تعالى محددا موقف المؤمنين من الكفـار:
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ…. }الفتح29
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }التوبة123
أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابتـه الأبرار, والمؤمنين الأخيار, غلاظ على الكفار , متراحمون فيما بينـهم, كقوله تعالى:
{….. أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ……}المائدة54
قال أبو السعود في تفسيره:
(( أي يظهرون لمن خـالف دينـهم الشــدة والصـلابة , ولمن وافـقهم في الدين الرحمة والرأفة )).
قال المـفسرون: وذلك لأن الله أمرهم بالغلظة عليهم فقال: {وليجدوا فيكم غلظة }
وقد بـلـغ من تشديدهم عـلى الكفار أنـهم كانــوا يتحرزون من ثيابهم أن تمس أبدانـهم, وكان الواحد منهم إذا رأى أخـاه في الدين صافـحه وعانـقـه.
ثانيا : الشدة عـلى العـصاة: وكذلك لا توجد رافة ولا رحمة في حـق العصاة كالزناة مثلا قال تعالى:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2
ثالثا :الشدة عـلى الظــلـمة: وأيضا فإن الحاكم الظالم الذي يحيد عن الحـق, وينحرف عن منهج الله, ينبغي على المؤمنين أن يقـفـوا منه موقفا صـلبا متشددا حتى يعود إلى الحـق, ويرجـع عن ظـلمه, ويؤوب إلى منهج الله, وشرع الله.
روى أبو داود والترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
” كلا والله, لتأمرن بالمعروف, ولتنهون عن المنكر , ولتأخذن على يد الظالم , ولتأطـرنـه على الحق أطـرا , ولتقصرنـه على الحـق قصرا , أو ليضربن الله بقــلوب بعضكـم على بعض “.
فالمسلم إذا يتعصب للحق, ويتمسك به تمسـكا شديدا , وهذا التمسـك والتعصب يعـد من الفضائل التي يحمد عليها صاحبها . وإذا كان الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر يعــد في نــظر الغــرب إرهـابـا , فإنـه في نظر الإسلام فريضة من فرائض الله, تـعاقـب الأمة الإسلامية على تركها.
روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف, ولتنهون عن المنكر , أو ليوشكن الله أن يبعث عـليكم عقابا منه, ثــم تدعونه فلا يستجاب لــكـم “.
وإذا كانت حريـة الارتداد عن الإسلام , وممارسة الفواحش من المثـل العـليا عند الغـرب, فإنـها تـعد عند المسلمين من أعظـم الجرائم ومن الكبائر التي يعذب الله مرتكبيها أشد العذاب. والمسلم إذا رأى حرمات الله تـنتـهـك يجـب أن يغضب لله, ولا يحل لـه أن يقابل ذلك بالارتياح أو يتقبــلـه بدم بارد كالخنزير الذي لا يغـار على أنثاه.
وإذا كان العمـل لهـدم أنظمة الكــفر وإقامة الدولة الإسلامية {دولة الخلافة} في نظر الغـرب يعـد أصولية وتـطرفا فإنـه في نظر الإسلام فريضة حتميـة يجب العمـل على إقامتها.
وإذا كان الصـلح مع اليهود الغاصبين في نظر الغـرب يعـد اعتدالا وتسامحا فهو في نـظر الإسلام خيانة وتفريط ونـذالة .
وختاما نقول: علينـا نـحن المسلمين أن نأخذ المفاهيم والقيم من عقيدتـنـا وحضارتـنـا الإسلامية, عـلينـا أن نأخذ كــل ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: {… قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*}المائدة
صدق الله العظيم