مفاهيم خطرة – لضرب الإسلام التطرف والإعتدال – ج1
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمـتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسـلين, وآله وصحبـه أجمعين, ومن تـبـعه وسار على دربـه, واهتـدى بهديـه, واستـن بسـنـته إلى يوم الدين, واجعـلنا معهم, واحشرنـا في زمرتـهم, برحمتـك يا أرحم الراحمين.
أما بعد: قال الله تـعالى في محـكـم كتـابـه, وهو أصدق القائلين: {بل بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }الأنبياء18
الصراع بين الحق والباطل , وبين الإيمان والكــفر , صراع قديم وجديد, صراع دائم ومستـمر إلى يوم الدين , هذا الصراع لـه شكلان أو مظهران , الأول فكري, والثاني مادي دموي. هذا ما نـطقـت به النـصوص القـرآنية , وإليكـم البيان:
أولا : الصـراع الفكـري:
وهو ما عـبـر عنه القـرآن الكريم بقوله تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }التوبة32
ولنا هنا وقفـتـان:
الوقـفة الأولى: عند قوله تعالى:[يريدون] والإرادة هنا تـعـني العزم والإصرار والتـصميم أي أن هؤلاء الكفـار والمشركين عازمون ومصرون ومصممون على إطفاء نـور الإسلام , وشرع الله المنير الذي أتـى به محمـد عليه الصلاة والسلام من عنـد الله تبارك وتعالى, وهذا يعني حتميـة صراع الحضارات, وليس حوار الحضارات كما يزعم بعض عـلماء السلاطين وكما يحلـو لهم أن يسموه.
الوقفة الثانية: عند قوله تعالى:[بأفواههم] أي أن هؤلاء الكـفـار من المشركين وأهل الكتاب يريدون أن يطفئـوا نور الإسلام القـوي الساطع بأفواههـم الحقيرة, وذلك بمجرد جدالهـم وافترائهـم. والإسلام هو نـور الله جعلـه لخـلقه ضـياء, فهل يستطيع أحد أن يطفئ بـفـمه نور الله…؟
يقول الفخر الرازي في تفسيره:{وإطفاء نـور الله تعالى تـهكــم بـهم في إرادتهـم إبطـال الإسلام بـقولهم في القـرآن إنـه سحر, وقد شبهت حالـهم بحال من ينفـخ في نور الشـمس بفيه ــ أي بفمه ــ ليطفئـه, وفيه تـهكــم وسخرية بهم}. وقد عقــب الله سبحانـه وتـعالى على ذلك بقوله:{ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }التوبة32، أي ويأبى الله إلا أن يظهـر دينـه بنـشره في الآفاق وإعلائه على الأديان كــلــها, كما جاء في الحديث الشـريف الذي رواه مسلم في صحيحه: “إن الله زوى لي الأرض, فـرأيت مشارقـها ومغـاربها, وإن مـلك أمـتي سيبلـغ ما زوي لي منـها “.
ثانيا : الصراع الدموي:
وهو ما عبر عنه القـرآن بقوله تعالى{…وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة217.
ولنا هنا أيضا وقفـتـان:
الوقفة الأولى: عند قوله تعالى: {… وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ…}البقرة217. ففـي هذه الآية إخبار من الحق سبحانـه وتعالى عن استمرارية الصراع الدموي, ودوام عداوة الكــفـار للمسلمين, وأن هؤلاء الكفـار لا ينفكـون عن هذه العداوة حتى يردوا المسلمين عن دينهم. وهذا أيضا يدلــل على حتمية صراع الحضارات الذي تحدثنـا عنه آنفا .
الوقفة الثانية: عند قوله تعالى:[إن استطاعوا] فبعد أن أخبرنـا الله جل وعلا عن دوام عداوة الكـفـار لنـا أتبع ذلك بقوله:[إن استطاعوا] وهو استبعاد لاستطاعتهـم, وإيذان بأنـهم لا يردون المسلمين عن دينـهـم, وفي هذا بـشارة لـكـم أيـها المؤمنون!! فاقبــلـوا من الله بـشارتـه, وكـونـوا مـتمسـكين بدينكـم كما أرادكـم الله رب العالمين.
إخوة الإيمان :
لما بعث الله رسولـه محمدا صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام , ودعا قومه وعشيرتـه إلى الإيمان , وترك عبادة الإصنـام , كابروا وعاندوا, وتمسـكـوا بما ورثـوه عن آبائهم وأجدادهم من عادات وتقاليد, فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهـم أن يأسروا أنفـسهم للتــقاليد الموروثة عن الآباء والأجداد, دون تفكـر منهم في مدى صلاحها أو فسادها.
ومعلـوم أن العرب زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونـوا أصحاب فكر مستنير بـل كانـوا أمة تعيش على البداهة والبساطة, فجاء الإسلام يحذرهم من الإصرار على الكــفر ويذكـرهم بالموت والبعث والحساب. ولما عجزت قريش عن مقارعة الحجة بالحجة, لجأت إلى يهود كي يزودوهم بالأفكار التي يواجهون بها النـبي صلى الله عليه وسلم, ويهود هم أهل كيـد وغـدر فقالـوا لهم: سـلوه عن ثلاثة أشياء, فإن أجاب عنها فهو نـبي مرسـل: سـلوه عن أمر الفتية, وسـلوه عن الرجـل الطـواف, وسـلـوه عن الروح والقصة تـعرفـونها من خلال سورة الكهف, وسورة الإسراء.
ولما هزمت قـريش فكريا لجأت إلى استعمال القـوة, فعذبت المسلمين, وطاردتهم في كــل مكان , وتآمرت على قـتـل النـبي صلى الله عليه وسلم, فهاجر إلى المدينـة المنـورة ليصطدم هناك مع يهود. وقارعهم النـبي صلى الله عليه وسلم بالحجة والبرهان, ولما هزموا فكريا , لجأوا إلى سلاح المكر والخـديعة, وذلك بمحاولة تشكيك المسلمين في دينـهم وعقيدتهم, فأخـذ بعض أحـبارهم يعلنون إسلامهم أول النـهار , ويكفرون آخره, حتى يقول ضعاف الإيمان من المسلمين, ما ردهم عن الإسلام إلا لأنـهم وجدوا فيه نقيصة أو عيبا , ولكن الله تبارك وتعالى فضح خطــتهم في كتابه العزيز, فقال جل شأنـه: { وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }آل عمران72.
واستمرت عداوة يهود للمسلمين منذ عهد النـبوة إلى يومنـا هذا, وستظل هذه العداوة إلى أن يـقضى عـليهم إن شاء الله تعالى على أيدي المسلمين كما أخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم.
كذلك فعـل فعلتـهم, وخطا خطوتهم أولئك الصـليبيون الحاقدون, الذين جاءوا من كــل فــج عميق لحرب المسلمين, فقاموا بـعدة حملات صـليبيـة شمـلت معظم بلاد المسلمين, ولكن الله سبحانـه وتعالى بعث عـليهم عبادا له, مخلصين طائعين , متمسـكين بكتاب الله وسنــة رسوله صلى الله عليه وسلم يجاهدون في سبيل الله, لا يخـافـون لومة لائـم، أمثال صلاح الدين الأيـوبي وإخوانه المجاهدين الذين طهروا بلاد المسلمين من رجس الصـليبيـين وكــفرهم.
وهاهم الصـليبيـون الحاقـدون قد عادوا مرة ثانية في أفغانستان, وثالثة في العراق, واحتـلــوا بلاد المسلمين من جديد.
وقد أخـذ هؤلاء الصـليبيون يروجون لأفكارهم وثقافتهم في بلاد المسلمين بعبارات ظاهرها الرحمة, وباطنـها فيه السم الزعاف, ومن هذه العبارات: التشدد والتطرف, والتعصب والإرهاب, والأصولية ، وغالبا ما تـساق هذه العبارات ليوصف بها المسلمون ممن يحملون الدعوة إلى الإسلام, المتمسـكون بإسلامهم, ويرفضون الحضارة الغربيـة , ولا يرضون بها بديلا عن الإسلام , أو الذين يقومون بأعمال لا تـرضي الغـرب.
وفي مـقابل ذلك أطلقـوا عبارات أخرى مثـل: الاعتدال والوسطية, والتساهـل والتسامح, والمرونة وتقبـل الآخـر, والديمـقراطية، واحترام رأي الأغلبية, وغالبا ما تـساق هذه العبارات ليوصف بها المسلمون ممن يحملون الدعوة إلى الحضارة الغـربيـة, ويـقبــلـون بها بديلا عن الإسلام , أو الذين يقومون بأعمال تـرضي الغـرب عموما .