وقفات مع النفس – لماذا اصبحت أرواح الناس رخيصة
حياكم الله معنا مع حلقة أخرى من سلسلة وقفات مع النفس وهي حلقة إضافية حيث كنت قد ذكرت المرة الماضية أن وقفتي مع النفس تلك كانت هي الأخيرة في هذه السلسلة هنا في هذه الإذاعة الطيبة ،، ولكن ما سمعته وعلمته خلال الايام الماضية دفعني إلى وقفة إضافية مليئة بالألم والحزن مضافاً إلى ما نحن فيه من كرب وهم كمسلمين ، فالاستهانة بحياة ابن آدم الذي كرمه الله سبحانه وتعالى في كل مكان وزمان وحفظ حياته وكرامته أصلح أمراً عادياً عند البعض ،وكأن تلك الحياة أصبحت لعبة أو شيئاً رخيصاً جداً بحيث نسمع عبارة مثل “فلان لا يستحق الرصاصة التي ستطلق عليه” ألا يكفي استهانة الأعداء والكفار وبني يهود بارواح المسلمين وممتلكاتهم وأعراضهم حتى نستبيحها نحن بكل استهتار !!
بداية سمعت عن حالات انتحار مع أنها محدودة جدا لكنها أصبحت موجودة وهي جرس خطر ونذير مصائب كبيرة ، فمهما كانت الأسباب والدوافع والظروف فهو ليس مبرراً أبداً ليقتل الإنسان نفسه ،، تلك النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ، فأين الحق في خسران الدنيا والآخرة لمن يفعل ذلك ؟! أين الصلة الروحية بين العبد وربه والتي تمنعه من فعل ذلك ؟! أين مخافته سبحانه ؟!أين الصبر على الابتلاء وأين القرآن وآياته وأحكامه؟!وأين الأهل والمجتمع عمن يعاني مشاكل نفسية ربما تؤدي به إلى الانتحار عن غير وعي ؟! أين الرعاية والاهتمام ؟!
ونأتي للأمر الآخر وهو الفتنة التي يوقظونها بين الحين والآخر ، العصبية المنتنة ،، فحالات الاقتتال بين العائلات والأفراد ولأسباب تافهة واهية ازدادت كثيراً وأرواح الناس أصبحت رخيصة خاصة في غياب السلطان والقصاص والعقوبات الرادعة ،، فهم لا يُحكِّمون الدين ولا العقل بل يحكمون الشيطان بينهم ، فترى أحدهم إذا نظر إليه غيره بنظرة لم تعجبه أو لم يسمح له بالمرور من طريق أو شارع أو بسبب خلاف مادي أو حتى مشاجرة بين أطفال صغار جهلة أو أي سبب تافه آخر ،، تراه استنهض عائلته وعشيرته لنصرته وهم يلبون النداء بدون تبصر وتعقل فيضربون ويحرقون ويقتلون بدون حتى التأكد إن كان على حق أو على باطل !!والطرف الآخر في المقابل يتصرف بنفس الأسلوب فهم ليسوا أقل منهم شأناُ أو قوة أو بطشاً ، وإن نصحتهم وعاتبتهم يقولون “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً” ،،وهذا بعد مقيتٌ آخر عن المفاهيم الصحيحة وتفسير لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالباطل حيث لم يكملوا الحديث بأن نصره ظالماً إنما يكون بمنعه عن الظلم وليس بمساعدته عليه كما يفعلون ،،وفي مثل هذه الحالات من الاختلاف والاقتتال ترى العائلات من نساء وأطفال تكون خائفة مترقبة ،تترك بيوتها وتختبئ عند اقارب أو أهل أو أصدقاء خوفاً من الانتقام والثأر خاصة في حالة وقوع قتلى نتيحة الشجار ، فنار العصبية والانتقام تتأجج ويزيدها الشيطان اشتعالاً حتى تحرق ولا تُبقي على شيء .
فيا أيها الإنسان ، اتق الله في نفسك وفي غيرك ،، اتق الله في عائلتك ، اتق الله في جيرانك وحيِّك وأصدقائك ، اتق الله في أخيك المسلم حتى لو اختلفت معه في الراي أو حتى تعدى عليك وأخذ حقك فليس بالقتل والشجار تُحل الأمور ،، كل يأخذ حقه بالرجوع إلى أحكام الدين والشرع وليس إلى قوانين العصبية القبلية والبطش ومنطق القوة والاعتداء وكأننا نعيش في غابة الغلبة فيها للأقوى والأشرس ، فإن هذا ما يريده أعداؤنا ، إثارة الفتن بيننا كافراد وكجماعات وعائلات وأحزاب وحركات وحتى دول ،،فلا تكونوا عوناً للشيطان على ذلك ،ولا تعودوا إلى أحكام الجاهلية والثأر والانتقام التي ستحرقكم وتحرق غيركم في الدنيا والآخرة ،،بل عودوا خير أمة أخرجت للناس تسعون للنهضة والرقي .
والله إنني أتكلم بألم وحزن ومرارة لما يحصل ، ولا يقول أحدكم أن هذه حالات فردية قليلة ،،فهي ليست كذلك وتزداد يوماً بعد يوم ولا رادع ولا حسيب لما يحصل بل إهمال متعمد ولامبالاة مقصودة ممن يسمون أنفسهم أولو الأمر ،، هؤلاء المشغولون بأمور أهم مثل ملاحقة من يسعى للنهضة الحقة ومن يصارع الفكر الهدام ويسعى لإعادة تحكيم شرع الله بدل تشريعهم وتشريع أسيادهم ،، بحيث تختفي مثل هذه الظاهرة التي تفتن بين الناس وتفسد علاقاتهم ،، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل فهو نعم المولى ونعم النصير ،ونسأله سبحانه وتعالى أن يزيل الغمة قريباً فقد ادلهم الظلام من كل حدب وصوب وتكالب الأعداء وبنو جلدتنا علينا ،،مع أن هذا بشير خير إن شاء الله حيث أن أحلك ساعات الليل ظلمة هي قبل انبلاج الفجر ، ونسأله أن ينبلج فجر الخلافة قريباً لنتخلص من كل هذا الظلم إن شاء تعالى.