نصائح للآباء
الأم والأب والمعلم مسئولون أمام الله عن تربية هذا الجيل، فإن أحسنوا تربيته سعد وسعدوا في الدنيا والآخرة، وإن أهملوا تربيته شقى، وكان الوزر في عنقهم، ولهذا جاء في الحديث: ( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) .
فبشرى لكما أيها الأبوان بهذا الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” رواه النسائي وأبي داود.
إننا نعيش في تناقض كبير، فالأسرة المسلمة تحرص على غرس القيم الإسلامية والمفاهيم الإسلامية في نفوس أبنائها، ولكن ما إن يخرج الولد إلى المجتمع حتى يجد قيما متناقضة معها. قيما علمانية تفصل الدين عن الحياة، لذا كان لزاما عليهما تكثيف جهودهما في بيان مفاسد القيم والمفاهيم المغلوطة التي يتعرض لها الأولاد في المدرسة أو وسائل الإعلام المختلفة، والتكرار على مسامع الأولاد بمناقضة هذه القيم للإسلام، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى عليهما التعاون مع المسلمين العاملين لتغيير المجتمع تغييرا جذريا شاملا والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية ، فلا يجوز للوالدين حصر أنفسهما داخل جدران البيت وإقناع أنفسهما بعدم القدرة على تغيير المجتمع، لان ذلك سيؤدي بنا جميعا آباء وأبناء إلى نار جهنم ، ونحن الآباء نبذل كل جهدنا في سبيل توفير حياة أفضل لأبنائنا ، يجب أن نسعى لتوفير هذه الحياة الفضلى ليس فقط في الدنيا ولكن في الدنيا والآخرة معا، لنا ولهم جميعا. وجب علينا آباء وأمهات العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وتغيير الأنظمة الحاكمة إلى نظام حكم إسلامي حتى نحمي أنفسنا وأولادنا من التناقضات والصراعات والشقاء في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}[طه124] وقال عز جلاله:{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم6].
هذا هو المخرج من الواقع المرير الذي نعيشه بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وتطبيقاً، وتحكيم الكتاب والسنة في كل أمورنا صغيرها وكبيرها، عظيمها وحقيرها، ثم تنشئة أولادنا على ذلك وغرس حب الله والرسول في قلوبهم، وتعويدهم منذ الصغر على التضحية من أجل هذا الدين وبذل الغالي والرخيص في سبيل إعلاء هذا الدين والعمل لرفعته. وقتها سيعود جيل خالد بن الوليد، وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص، وقتها سيسود المسلمون العالم كما ساده أجدادهم من قبل {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4، 5].
أيها الأخوة الكرام: إن مسؤوليتنا كبيرة أمام الله في أولادنا وأهلينا ذكورا وإناثا لنغرس في قلوبهم محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بذكر مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته وسيرته، يقول أحد الصحابة كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله كما نعلمهم السورة من القرآن. ولا بأس من سرد قصص البطولة والشجاعة التي تميز بها الصحابة الكرام خاصة صغار السن منهم، فإن المرء مع من أحب يوم القيامة، علموهم الصدق في القول والعمل والوفاء بالوعد وأداء الأمانة وكونوا قدوة لهم في ذلك.
أيها الآباء الكرام: اعدلوا بين أولادكم في العطية ولا تفضلوا بعضهم على بعض فإن ذلك من أسباب الحقد والعقوق. روى انس رضي الله عنه أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه، وجاءت ابنة له فأجلسها بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا سويت بينهما؟.
وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي فَقَالَ أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ قَالَ لَا قَالَ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ثُمَّ قَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً قَالَ بَلَى قَالَ فَلَا إِذًا. رواه مسلم.
إلى أمي وأبي اللذان ربياني صغيراً فأحسنا تربيتي، وإلى الأمهات والآباء الذين يرجون لأبنائهم الخير والصلاح. وإلى المربين الذين يتحملون مسؤولية التربية وأمانة التوجيه. كيف نربي أبناءنا تربية صالحة؟ سؤال يهم كل الآباء والمربين، فقد وصى الله الآباء بأولادهم قبل أن يوصي الأبناء بآبائهم لقوله تعالى:{وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً}[الإسراء31]. قال الإمام ابن القيم: فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا”.
فتربية الأبناء اليوم تتعرض لمخاطر كثيرة: منها تقصير الأبوين المكلفين قبل غيرهما في تربية أبنائهما وأوكلوا مهمة تربيتهم للخادمات أو وضعوهم في أحد المحاضن الأجنبية والمدارس التبشيرية تربيهم وفق مناهجها، فالحذر الحذر أيها الآباء من ترك أبنائكم للخادمات والحذر الحذر من تركهم في مثل هذه المدارس فإن أكثر من 90% من تربية الطفل إنما تتشكل من خلال التربية والبيئة التي يعيش فيها الطفل.
وحتى لو وضعنا أبناءنا في المدارس المحسوبة على الدولة-أي دولة كانت في العالم الإسلامي ككل- فيجب متابعة ما يتم تدريسه وتعليمه لأبنائنا فكم من مفاهيم وعلوم خاطئة تم دسها وبثها في أبنائنا من خلال هذه المناهج الوضعية التي أغفلت جوانب مهمة في تربية الأولاد وتركت المجال أمام دعاة الغزو الفكري والأخلاقي لبث سمومهم وترويج أفكارهم ليعملوا على هدم أخلاق الناشئين وتحطيم قيم أبناء الجيل، فمن المربين من يقوم بتقليد المناهج الغربية والأخذ بكل نظرياتها من غير تمحيص ولا تحقيق في الوقت وإغفال مصادر المنهج الإسلامي في التربية والذي يولي تربية الأولاد أهمية بالغة ويمتاز عن غيره من النظريات بالشمول والتوازن والواقعية ووحدة التلقي بينما أثبتت دراسات المحققين والنقاد قصور المناهج الغربية وتناقضها وخوائها الروحي وحاجتها الماسة إلى الإصلاح والتعديل.
هذه مسؤولية الآباء والأمهات نحو أبنائهم متابعتهم متابعة شاملة لكل مراحل حياتهم وتصحيح المفاهيم والعلوم الخاطئة التي تبث لهم وبيان عوارها ومخالفتها لتعاليم ديننا الحنيف، وبيان الهجمة الشرسة التي يشنها الغرب والكفار على الإسلام كل حسب عمره، وصدق القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن يعوده التدين أقربوه
أيها الأبناء الأعزاء: انتهزوا فرصة الشباب والصحة والفراغ فيما يسعدكم في الدين والدنيا والآخرة وذلك بالتمسك بتعاليم الإسلام الحنيف قولا واعتقادا وعملا وصدق الله العظيم إذ يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162- 163]، وصدق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله لرجل وهو يعظه : ” اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك ” أخرجه الحاكم في المستدرك وليكن همكم طاعة الله ورسوله {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71]. ثم طاعة الوالدين في غير معصية الله قال صلى الله عليه وسلم:”رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين ” رواه الترمذي وصححه وابن حبان والحاكم. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه