فقرة المرأة المسلمة- أمثالنا الشعبية في الميزان
إنَّ المرأةَ في الإسلام كانت وما زالت موضعَ تكريمٍ وإعزازٍ وإكبار ، فهي أمٌّ وربةُ بيتٍ وعِرْضٌ يجبُ أن يُصان وقد كرَّمَها بنتاً وزوجةً وأختاً وأمّاً وجدَّة ، وتعرَّضت تلك المرأةُ المسلمةُ مثلما تعرَّضَ غيرُها إلى هجمةٍ استعماريةٍ شَرِسَةٍ تُريدُ أن تنالَ مَنْها وتُبعِدَها عن دورِها الذي خلقَهَا اللهُ له وعنْ أحكامِ الشَّرعِ والتَّقَيُّدِ به منْ خِلالِ شِعَاراتٍ براقةٍ زائفةٍ ،، ومُسَمَّياتٍ باطلةٍ مُضلَّةٍ،، وأفكارٍ غريبةٍ عن دينِهَا ،،
وكذلك تعرَّضت العائلةُ الْمسلمةُ من ناحيةِ كونِهَا أسرةً صغيرةً داخلَ بيتِهَا أو من ناحيةِ عَلاقَتِهَا مع بقيةِ أفرادِ العائلةِ خارج البيتِ من أقاربَ ومعارف ، إلى محاولاتٍ للنَّيْلِ من متانةِ تلك العلاقةِ وقوتِهَا ،،
ومن ضمنِ هذه المحاولاتِ بعضُ الأمثالِ الشعبيةِ التي تُسيءُ إلى المرأةِ وتحطُّ مِنْ كرامتِهَا ،،وغيرُها مِمّا يطعنُ بالعلَاقةِ الأُسَرِيَّةِ داخلَ وخارجَ البيت ،، والتي نُسلِّطُ الضوءَ عليها هُنَا كما سلَّطْنا في حلَقَاتٍ سابقة على غيرِها ،، وذلك لنبتعدَ عن استخدامِهَا ولِنَنْهى غيرَنَا عن ذلك ،،
ومن تلك الأمثال :
= شاور المرأة واخلف شورتها .
هذه الأمثالُ تدعو إلى مخالفةِ المرأةِ بعد استشارتِها، أو الحثِّ على عدمِ مشاورتِها أساسًا ،مُتَناقِضاً معَ ما جاء في الآيةِ الكريمةِ في سورةِ الشُّورَى “وأمرهم شورى بينهم “، كما أنها تتنافى مع سيرةِ الرسولِ الكريمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكمَا نعلمُ أن الرسولَ عليه السلام كان يشاورُ أمهاتِ المؤمنينَ ويسمعُ لهم، وما حادثةُ الحديبية وسماعُه لِمشورةِ أمِّ سلمة رضي الله عنها بخافيةٍ على أحد؛ وهذه الأمثالُ تدعو في نفسِ الوقتِ إلى أبشعِ الأخلاقِ ألا وهو الاستبداد في الرأيِ الذي يؤدِّي إلى تكديرِ صَفْوِ العلاقاتِ الإنسانيةِ عمومًا والزوجيةِ خصوصًا، ويفَرِّغُها من مضمونِها القائمِ على المودَّةِ والرحمةِ والعِشرةِ بالمعروفِ،،
= ومن الأمثالِ الشعبيةِ ما يَحضُّ على كراهيةِ الأنثى بل ويدعو إلى القسوةِ في التعاملِ معها من مثل (يا مخلفة البنات يا عايشة في الهم حتى الممات) و (اكسر للبنت ضلع يطلع لها اثنان) و(موت البنت سترة)
نجدُ أنفسَنَا لسنا في حاجةٍ إلى توضيحِ عِظَمِ خَطَرِ هذه الأمثالِ التي تدعو بدَعوى الجاهليَّةِ الأولى ” وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَكَظِيمٌ *يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمون ” [النحل 58،59].فالإسلامُ دينُ الرحمةِ والشفقةِ ، وقد وقفَ ضدَّ هؤلاء المتجبِّرينَ والعُصَاةِ في الزمنِ الماضي وسيقفُ إلى أن تقومَ الساعة.
ومثله =” لمّا قالوا غلام، انسند ظهري وقام ، لما قالوا بنية، انهد الحيط عليّ “
وهذا يمثِّلُ التفريقَ بين الولدِ والبنتِ وتفضيلَ الذكرِ على الأُنثى وعلى عدمِ الرِّضَى برزقِ اللهِ من الأولادِ غيرَ مُتَمثِّلين لقولِه تعالى ” لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ {42/49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير ٌ”
ويقول رسولُ البشريةِ صلَّى الله عليه وسلم ” من كانت لَهُ ابنة فأدَّبَها وأحسنَ تأديبَهَا وعلَّمَها فأحسنَ تعليمَهَا كانت له سِتْراً مِنَ النَّارِ” .و«النساءُ شقائقُ الرجالِ » و “رفقاً بالقوارير” .
وهناك من الأمثال ما يدعو إلى فقدان الثقة في المرأة وعدم ائتمانها على سر مثل:
= “لا تأمن للمرأة إذا صلَّت ولا للشمسِ إذا ولَّت) و(منْ أعطَى سرَّهُ لامرأتِه يا طول عذابه وشقائه)( وإبليس يتعلم من المرأة )
ومدارُ هذهِ الأمثلةِ الشَّعبيةِ الظالِمةِ عدمُ الثِّقَةِ في المرأةِ , التي هي بطبيعةِ الحالِ أمٌّ أو زوجةٌ أو أختٌ أو ابنة، ، ولا شكَّ أنَّ التاريخَ يَحْفَلُ بنساءٍ فُضْلَياتٍ كان لهنَّ دورٌ بارزٌ عميقُ الأثرِ في الحضارةِ الإسلاميَّةِ خاصة والإنسانيةِ عامة، و الْمُؤسِفُ أنَّ هذه الأمثالَ تَصِفُ نصفَ المجتمعِ أو أكثرَ بالخيانةِ والسفاهةِ ،، والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول :” الدنيا مَتاعٌ وخيرُ مَتاعِ الدنيا المرأةُ الصالحة) رواه مسلم .
وبالمقابل نسمع = يا مآمنة للرجال يا مآمنة للمية في الغربال، وهذا يتنافى مع روحِ الشرعِ الذي يجعلُ حُسْنَ الظنِّ أساسَ المعاملاتِ مع المسلمين والمسلمات .
أما الأمثالُ التي تَحُطُّ من قيمةِ المرأةِ عامة في علاقتها بالرجلِ وكذلك تسيءُ إلى العلاقةِ الزوجيةِ فحدِّث ولا حرج من مثل
= (جهنم زوجي ولا جنة أبويا)، مثلُ هذه الأمثالِ التي صيغت بأسلوبٍ استهزائيٍّ بعيدةٍ كلَّ البُعدِ عن خُلُقِ الإسلام، وهي قائمةٌ على الاستهزاءِ بالعلاقاتِ الزوجيةِ بل والأَبَوِيَّةِ أيضًا ، فالشطرُ الأولُ من الْمَثَل يدعو إلى الاستكانةِ والذِّلَّةِ والتهاونِ في الحقوق، والشطرُ الثاني من المثل يغفَلُ ما أمرَ به الشرعُ الحكيمُ من البِرِّ بالأبِ والطاعةِ والإحسانِ إليه كما أنه يدعو إلى النفورِ وبغضِ المعيشةِ مع الآباءِ وإن كانت جِنة.
وكذلك = “امشى في جنازة ولا تمشى في جوازة،” وربُّنا يقول : خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثم خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ” ،،
= (انتفي ريشه ليلوف بغيرك) وكأنَّ العَلاقةَ الزوجيةَ تَخْلو منَ الأمانِ والرّحمة، مِمَّا يُعطي أسلوباً خاطئاً لأصولِ العلاقةِ الزوجيةِ الصحيحة ،وربُّ العزَّةِ يقول : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) ،
وإذا نظرنا إلى العلاقةِ بين الأقاربِ والأصدقاءِ والناسِ فماذا نجدُ من أمثال ؟
= ” الأقاربُ عقارب “
هذا مثلٌ مٌضِلٌّ يحضُّ على قطيعةِ الرَّحْمِ التي أمرِ اللهُ أن توصلِ، ويصطدم ُمع مبادئِ الإسلامِ حيثُ يقولُ اللهُ تعالى:
{ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى } [النساء :36].
وقال عز وجل:{ وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [ النساء: 1]
وقال رسول الله ( من سَرَّهُ أن يُعَظِّمَ اللهُ رزقَهُ، وأنْ يَمُدَّ في أجَلِه فَلْيَصِلْ رحْمَهُ } [ صحيح رواه أحمد 6291].
وقال ): صلةُ القرابةِ مثراةٌ في المالِ، مَحَبٌّة في الأهلِ، مَنْسَأَةٌ في الأجَلِ } [صحيح الطبرانى 3768 ].
وليس هذا فحسب، بل إنَّ مَنْ يَصِلُ مَنْ وَصَلَهُ من ذَوى قُرباه، ويقطعُ مَنْ قطعَهُ منهم فليس بواصل، قال:{ ليسَ الواصلُ بالمكافِئ، ولكنَّ الواصلَ الذي إذا قَطَعَتْ رَحِمَهُ وَصَلَهَا } فالمشروعُ أن نَصِلَ أقاربَنا وإنْ قَطَعونا وآذونا.
= ” أنا وأخويا على ابن عمى وأنا وابن عمى على الغريب:”
هذه عصبيةٌ جاهليةٌ وضلالٌ كبيرٌ يتعارضُ مع قولِه تَعَالى(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [ الحجرات:10 ]وكذلك يتعارضُ مع قولِه صلَّى الله عليه وسلم( أنصرْ أخاكَ ظالماً أو مظْلوماً. فلما قالَ رجلٌ: يا رسولَ الله أَنْصُرُهُ مظلوماً فكيف أنصره ظالماً ؟ قال: تَمْنَعُهُ عن الظُّلم؛ فإنَّ ذلك نَصْرُهُ ) أو كما قال ،،
= “اللهم قني شر أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم”
عبارةٌ خبيثةٌ من جهتين:
أولا: تدعو إلى الشكِّ في الأصدقاءِ وسوءِ الظَّن بهم، وقد نهانا الشارعُ الحكيمُ عن سوءِ الظن { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [الحجرات 12 ، ومن المعلومِ أنَّ الأخوَّةَ في الله من أعظمِ مظاهرِ الدين، بل هي تضمنُ للعبدِ أن يكونَ مع أخيه في ظلِّ الله يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه. قال رسول الله:{.. ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقَا عليه.. [الحديث، متفق عليه].والجهةُ الثانيةٌ:أ نَّها توهمُ الإنسانَ بأنه يمكنُه أن يستغْنِيَ عن عونِ اللهِ ونُصْرَتِه في مواجهةِ أعدائِه، وهذا مُحال.
قال تعالى:{ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران 160].{( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [ الروم:47 ].
وهذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم يُلِحُّ على ربهِ في الدعاءِ والتضَرُّعِ أن ينصرَهُ ببدرٍ حتى أشفقَ عليه الصدِّيُق رضي الله عنه؛ وقال له”أكثرتَ على ربِّك”. فلا قوةَ إلا بالله ولا نصرَ إلا به. فأَحْسِنِ التوكُّلَ على مولاك، وسَلِّمْ أمرَك كُلَّهُ له تَكُنْ مِنَ الفائِزين بإذنه سبحانه، فاللهم قنا شَرَّ كُلِّ ذي شَرٍّ أنت آخذٌ بناصِيَتِه. ونعوذُ بالله من شَرِّ ما خَلَقَ .
= “كُتر السلام يقل المعرفة”
هذا قولٌ خاطئٌ آخر لا يجبُ أن يتفوهَ به مسلمٌ، فالشارع ُالحكيمُ حضَّ على إفشاءِ السلامِ؛ لأنَّهُ مِفْتَاُح الحبِّ والمودَّةِ في اللهِ فقال عزَّ وجل:{ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } [ النور:61 ]
وقال صلى الله عليه وسلم {والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تُؤْمنوا حتى تَحابُّوا، ألا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعلتمُوه تحابَبْتُم أفْشوا السلامَ بينَكُم } [ صحيح مسلم –
وقال { : من أشراطِ الساعةِ أن يَمُرَّ الرجلُ في المسجدِ ولا يُصَلِّي فيه رَكْعَتَيْن، وأن لا يُسَلِّمَ الرجلُ إلا على من يَعْرِفَ } صحيح -الطبراني 5896].
= ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه
مثلٌ خبيثٌ يدعو إلى تَرْكِ النَّهْىِ عنِ الْمُنْكرِ، ويمنعُ إصلاحَ ذاتِ البينِ بين الناسِ. فلا شكَّ أنْ تَشَاجُرَ الناسِ واشتبَاكُهم مُنْكَرٌ ينبغي الإسراعُ بتغييرَه. قال تعالى:{ فأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم } [الحجرات 10. ]
وقال رسولُ الله: { من رأى مِنْكُم مُنْكراً فلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِه، فإنْ لم يستطِعْ فَبِلِسَانِه، فإن لم يستطِعْ فَبِقَلْبِه } [صحيح مسلم، وأبى داود، وصحيح الجامع 6250. ]
وقال:. { أُخبرُكُم بأفضلَ منْ دَرَجَةِ الصيامِ والصدقةِ؟ قالوا:بلى يا رسولَ الله. قال:إصلاحُ ذاتِ الَبْيِن، فإَّن فَسادَ ذاتِ البيْنِ هي الحالقةُ } [ حسن أبو داود. ]
“اتق شر الحليم، اتق شر من أحسنت إليه”
هذا أيضاً من الأمثالِ الخاطئةِ؛ لأنَّ الحليمَ ليس شرِّيراً، والإحسانُ لا يتبعُه شَرٌّ، وهذا الكلامُ حضَّ على اعتبارِ الشَّرِّ في كلِّ الناسِ حتى أهْلِ الحِلْمِ منهم، وحضَّ على البُعْد عنِ الإحسانِ مع أنَّ فِعْلَ الخيْرَاتِ ليس يُقْصَدُ به إلا وجهُ اللهِ وحده. ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول : “الخيرُ فيَّ وفي أمَّتي إلى يومِ الدين “.
إذن كما نرى إخوتي وأخواتي أن الهجمةَ الاستعماريةَ على المفاهيمِ والأفكارِ لم تترك ْمَدْخَلاً إلاَّ نفذَتْ مِنْه مهمَا صَغُرَ ،، ولم تتركْ باباً للدُّخولِ منه إلى الإفسادِ إلا طَرَقَتْهُ ،، وحسبُنا اللهُ ونعم الوكيل ،، ونسأله تعالى أن يُزيحَ الغُمَّةَ ويزيلَ الغِشَاوةَ عن العُيونِ والقلوبِ ،،
وإلى لقاء آخر من سلسلة أمثالنا الشعبية في ميزان الشرع ،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعدته للإذاعة : مسلمة