نفحات إيمانية- وقفوهم إنهم مسؤولون
الحمد لله الذي فـتح أبواب الجـنـان لعباده الصائمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسـلين، المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيـبين الطـاهرين، ومن تبـعه وسار على دربه، واهتدى بهديه واستـن بسنــته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أمـا بعد:
قال الله تعالى في محكـم كتابه وهو أصدق القائلين: (وقفوهم إنهم مسئولون). وقال عز من قائل: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين). وقال جل وعلا: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون). وقال تعالى: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين! فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون! فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين).
وروى البخـاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي عـلى الناس راع ، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته”.
إخوة الإيمان: لما كانت العقيدة الإسلامية هي فقط العقيدة العقلية الصحيحة، وكان النظام المنبثق عنها هو فقط النظام الصحيح، الذي يعالج مشاكل الإنسان في الحياة علاجا صحيحا، كان لا بد من اعتناقها، وتطبيق النظام المنبثق عنها، وحملها دعوة إلى بقية الشعوب والأمم، وحملها هو فـرض على المسلمين وهو من أعظم المسؤوليات التي أوجبها الله تبارك وتعالى على أمة الإسلام.
إخوة الإيمان: لقـد وضعنا الإسلام وإياكم أمام مسؤوليات جسام ، فرض علينـا تنفيذها، وأداءها، وإيجادها في واقع الحياة، وهددنا وتوعدنا إن نحن قصرنا في هذه المسؤوليات، بأن يعذـنا عذابا أليما في الدنيـا على يد أعدائنا، أو أن يستبدلنا بقوم آخرين، وسيحاسبنا ويسألنا يوم القيامة، فماذا سيكون جوابنا؟
ومن هذه المسؤوليات الجسام هي:
* مسؤولية المسلمين عن حمل الدعوة الإسلامية:
* مسؤولية المسلمين عن إقامة الخلافة:
* مسؤولية المسلمين عن تطبيق نظام الإسلام:
* مسؤولية المسلمين وحدة الدولة ووحدة الأمة الإسلامية:
* مسؤولية المسلمين عن الجهاد:
* مسؤولية المسلمين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أما مسئولية المسلمين عن حمل الدعوة: فإن حمل دعوة الإسلام إلى بقية الشعوب والأمم فرض عـلى المسلمين، لقوله تعالى: (وأوحي إلي هذا القـرآن، لأنذركم به ومن بلغ)، أي ولأنذر من بلـه، فالإنذار لكم، وهو كذلك إنذار لمن تقومون بتبليغه إياه، فهو دعوة لكـم لأن تبلـغوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقـد طلب منـا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نبلـغ مقالته كما سمعناها عـنه دون زيادة أو نـقصان، سواء أكان حامل المقالة فقيها أم لا، وسواء أكان المبلـغ أفقه من المبلـغ لـه أم لا، فالطـب يقتضي التبليغ لوجود المدح عليه، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها، ووعاها وأداها، فـرب حامل فـقه غـير فـقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقـه منه”.
وإذا كان عدم التبليغ يتـرتب عـليه ضياع الحـكم الشرعي كان التبليغ واجبا، والله سبحانه وتعالى يقول: (ولتكن منكـم أمة يدعون إلى الخير). والخير هنا هو الإسلام، فهذه كلها نصوص تدل على أن حمل الدعوة للإسلام فرض على جميع المسلمين، الفـقيه منهم وغـير الفقيه، وسواء أكانوا أفرادا أو جماعات أو دولة .
• مسؤولية المسلمين عن إقامة الخلافة:
وأما مسئولية المسلمين عن إقامة الخلافة: فقد قال الله تعالى: (فاحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق). وبما أن خطاب الرسول خطاب لأمته، ما لم يرد دليل يخصصه به، وهنا لم يرد دليل، فيكون خطابا للمسلمين بإقامة الحكم، أي إقامة الخلافـة.
على أن الله تعالى فرض على المسلمين إطاعة ولي الأمر، مما يدل على وجوب وجود ولي الأمر على المسلمين، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). ولا يأمر الله بطاعة من لا وجود له، ولا يفرض طاعة من وجوده مندوب، فدل على أن إيجاد ولي الأمر واجب. فالله تعالى حين أمر بطاعة ولي الأمر، فإنه يكون قد أمر بإيجاده، فإن وجود ولي الأمر يترتب عليه إقامة الحكم الشرعي، وترك إيجاده يترتب عليه تضييع الحـكم الشرعي، فيـكون إيجاده واجبا، لما يترتب على عدم إيجاده من حرمة، وهي تضييع الحكم الشرعي.
• مسؤولية المسلمين عن تطبيق نظام الإسلام:
وأما مسؤولية الأمة الإسلامية عن تـطبيق الإسلام، وتنفيذ أحكامه، فقد ورد في خطاب التكليف العام لجميع المسلمين، قال الله تعالى مخاطبا رسولـه صلى الله عليه وسلم: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قـضيت، ويسلموا تسليما).
فهذه الآية قد نفت الإيمان عمن لا يحكـم الشرع لأن تحكيم الرسول عليه الصلاة والسلام هو تحكيم للشرع، والرسول صلى الله عليه وسلم ملزم أن يحكـم بين المسلمين بشرع الله لأن الله تعالى أمره بهذا فقال: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك). ولما كـن خطاب الله للرسول صلى الله عليه وسلم خطابا لأمته، كان المسلمون مخاطبين بالحكم بما أنزل الله وملزمين به.
• مسؤولية المسلمين وحدة الدولة ووحدة الأمة الإسلامية:
أما مسئولية المسلمين عن وحدة الدولة ووحدة الأمة فقد قال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقـوا). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
إخوة الإيمان: إن مسؤولية وحدة الدولة، ووحدة الأمة، تقع على عاتق المسلمين جميعا ، وإن عـوامل الوحدة كثيرة وأكيدة، فربهم واحد هو الله تعالى، ونبيهم واحد هو محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابهم واحد هو القرآن الكريم، ودينهم واحد هو دين الإسلام، وقبلتهم واحدة هي الكعبة المشرفة، لذلك ينبغي أن تكون أمة الإسلام أمة واحدة، ودولتهم دولة واحدة، وخليفتهم خليفة واحدا.
• مسؤولية المسلمين عن الجهاد:
وأما مسئولية المسلمين عن الجهاد إخوة الإيمان، فإن الجهاد من المسؤوليات العامة الملقاة على عاتق الأمة جميعا، والتقصير فيه يعرض الأمة جميعها للهلاك.
قال الله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تـلقوا بأيديكم إلى التهلكة). وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا هـل أدلـكـم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم! تـؤمنـون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون! يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ! وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين).
إنها حقــا لتجارة رابحة ينال فيها المجاهد أجرا عظيما. وقال صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتـل النـاس حتـى يقولوا لا إله إلا الله”. وقال صلى الله عليه وسلم: “من مات ولم يغـز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شـعبة من النـفاق “.
• مسؤولية المسلمين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
فإن النصوص الشرعية التي تحض على الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاءت كثيرة، ومتنوعة تخاطب الحكام حينا، والعلماء حينا آخر، وكثيرا ما تتناول في الخطاب عامة المسلمين.
أما الحكـام فقد خاطبهم الله سبحانه وتعالى بقوله: (الذين إن مكناهم في الأرض أقـاموا الصلاة، وآتـوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر).
وأما عامة المسلمين، فقد خاطبهم الله بقوله: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر).
وأما العلماء فهم الذين يعرفون أي الأعمال موافقـة لشرع الله، وأيـها مخالفـة له فهم أدرى النـاس بمواطن الخـير، ومواطن الشـر، وأقدرهم على تـبصير الناس حكاما ومحكومين بأحكام الله.
اللهم اجعلــنـا سلمــا لأوليائــــك، حربــا لأعــدائـك، نـحب بـحـبـك من أحبــك، ونـعادي بعداوتـك من عاداك، وتـوفــنـا وأنت راض عـنــا.
اللهم مكـن أمـتـنـا من العودة لحمل رسالتـها وإتباع أوامر ربـها وهدي نـبيها وامنـحها اللهم القـوة عـلى النـهوض بمسؤوليـاتها عـلى الوجه الذي يرضـيك عنها، إنــك عـلى ما تـشاء قــدير، وبالإجابـة جدير..
اللهم أقـر أعينـنـا بـقيام دولة الخلافـة، واجعلــنـا من جـنـودها الأوفـياء المخلصين.
والسلام علـيكـم ورحمة الله وبركـاتـه.
أبو إبراهيم