شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام- المادة 119
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
إن النظام الاقتصادي في الإسلام لهو أعظم ثروة فكرية عملية للإنسان, طُبق اثنا عشر قرناً من الزمان, ولم يعش الناس بكنفه ألا سعداء أمناء, ولم يذكر التاريخ أزمة اقتصادية واحدة حصلت إبان هذه الحقبة من الزمان.
إن استئناف الحياة الإسلامية برجوع الدولة الإسلامية إلى الوجود, وتطبيق أنظمة الحياة كلها التي عالجها الإسلام معالجة صحيحة, لأنها من عند خالق الإنسان والكون والحياة, تكون سعادة البشرية كلها, لذا قام حزب التحرير الذي يعمل لإنهاض المسلمين, وإقامة الدولة التي تحكم بالإسلام لتنشره في بقاع الأرض, ولتخرج الناس من الظلمات إلى النور, وبه تحرق الفساد ويحي العباد حياةً لا ظلم فيها ولا استبداد .
إن الأفكار الرأسمالية, وخاصة ما يتعلق بالناحية الاقتصادية, كان ولا يزالُ لها رواج فظيع عند المسلمين, ولا تزال هذه النظم الاقتصادية هي المطبقة في بلاد المسلمين, مع إن الأمة تعاني أشدّ المعاناة من ظلم هذه النظم, التي يعمل الكفار وعملاؤهم بكل الوسائل الخبيثة و الأساليب التضليلية, لتزيينها, وتزيين أفكارها الفاسدة, ونشرها في بلاد المسلمين, وغيروا بعض الألفاظ كي يستمرأها المسلمون, فقالوا عن الربا فائدة وعن الرشوة مصلحة وعن الضرائب ضرورة.
وها نحن نشهد السقوط تلو السقوط لهذه النظم, التي ظهر عوارها وبان فسادها, وأحترق الناس بلهيبها فزادت البطالة, وعم الفقر تلك المجتمعات الغربية, وتكدست الثروة بأيدي قلة من الناس, وأخذت الدول الرأسمالية تعقد المؤتمرات المكثفة كي تنقذ ما تستطيع إنقاذه, إلا أنها وبهذه المعالجة المأخوذة من هذا النظام الفاسد, تتفاقم المشاكل وتزداد, فهذا النظام العفن في طريقهُ إلى زوال كقرينه النظام الاشتراكي الذي ذهب بغير رجعة.
لقد سطر حزب التحرير دستوراً جاهزاً للتطبيق حال قيام دولة الخلافة، وهذه لأول مرة في تاريخ المسلمين يظهر دستوراً على شكل مواد، هذه المواد مستنبطة من القرآن والسنة وما أرشدا إليه من إجماع وقياس, وتجد في هذا الدستور نظام الحكم في الإسلام وما يتعلق به من مجلس الشورى والخلافة والمعاونين والولاة والقضاة والجيش والجهاز الإداري, ثم بين النظام الاجتماعي والنظام الاقتصادي وسياسة التعليم والسياسة الخارجية.
أما ما سأتناوله في هذه الحلقات إن شاء الله, هي مواد الدستور المتعلقة بالنظام الاقتصادي في الإسلام, وسأقوم بذكر موادها وشرحها ما أمكن، وبيان أدلتها ومعالجاتها ، و نظرة الإسلام إلى الاقتصاد وغايته, وكيفية تملك المال وتنميته, وكيفية إنفاقه والتصرف فيه, وكيفية توزيع الثروة على الأفراد, وكيفية إيجاد التوازن فيه.
كما بينت هذه المواد أنواع الملكيات من ملكية فردية وملكية عامة وملكية دولة, والمال المستحق لبيت المال وجهات صرفه، كما بينت أحكام الأراضي عشرية وخراجيه, وما يجب فيها من عُشر وخراج, وكيفية استغلالها وإحيائها وإقطاعها, كما تعرضت للنقود وأنواعها, وقاعدة الذهب والفضة, والتجارة الخارجية.
فأول مادة في النظام الاقتصادي هي المادة (119) ونصها: ( سياسة الاقتصاد هي النظرة إلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع عند النظرة إلى إشباع الحاجات, فيُجعلُ ما يجب أن يكون عليه المجتمع عند أساسا لإشباع الحاجات).
إن هذه المادة مستنبطة من عدة أدله, والحكم الشرعي يستنبط من دليل واحد أو من عدة أدلة, فهذه المادة استنبطت من أربع جهات ، استنبطت في الأصل من عدة أدلة ، فأولى هذه الجهات تحديد ملكية الأشياء بكيفية مخصوصة ، وثانيها: تحديد أسباب التملك بأسباب معينة ، وثالثها: تحديد تنمية الملك بكيفية معينة ، ورابعها: تحريم بعض الأشياء وبعض الأعمال.
وسياسة الاقتصاد في الإسلام تعني أن الثروة التي تسد الحاجات عند الإنسان, لا بد وأن تكون مقرونة بالحكم الشرعي ومبنية عليه، فالحبوب مثل القمح والذرة والسمسم وغيرها من الثروة ، والزيتون والبصل والعسل من الثروة، لأن الشارع قد أذن بتملكها فأباحها، والحشيش والخمرة والخنزير والميتة ليست من الثروة, لأن الشارع لم يأذن بتملكها فحرمها، وكذلك المال الذي يؤخذ أجره، والمال الذي يشترى به من الثروة، لأن الشرع في هاتين الحالتين قد أباح كسبه، أما المال المسروق والمال الذي يكسب بعقد باطل, فإنه ليس من الثروة لأن الشارع حرم كلا منها ، فعند النظر إلى إشباع الحاجة يجب أن ينظر إلى الحكم الشرعي، بل يجب أن يكون هو أساس للنظر، أي الأساس الذي يجري عليه إنتاج الثروة واستهلاكها.
إن تقييد العلاقات بين الناس بالأحكام الشرعية وسيرها بحسبها, هي النظرة إلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع عند النظرة لإشباع الحاجات.
وبمعنى آخر حتى تعتبر المادة اقتصادية شرعا يصح إنتاجها واستهلاكها, هذا ما يجب أن يكون عليه المجتمع .
أيها اللإخوة المستمعون: لم يكتف الشرع بالتدليل على السياسة الاقتصادية بالأدلة العامة من مثل قوله سبحانه وتعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) بل جاء بأدلة تفصيلية خاصة بالثروة من حيث توفيرها, ومن حيث قضاء الحاجات بها، وهي أدلة تحديد كيفية التملك, وتحديد أسباب التملك,وتحديد تنمية الملك, وتحريم بعض الأشياء وبعض الأعمال, فتكون سياسة الاقتصاد في الإسلام ليس النظرة إلى الثروة فقط, من حيث كونها تشبع حاجه, بل هي إلى جانب ذلك كون هذه الثروة مباحة وكون الحاجة التي تشبعها مباحة, أي هي بناء هذه النظرة إلى الثروة, في تقييد العلاقات بين الناس بالأحكام الشرعية.
والى حلقة قادمة لشرح مادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته