ضرائب أجاز الشرع استيفاءها – الأستاذ أبو الصادق
إن من أعظم ما فتن به المسلمون وما أصابهم من عظيم بلاء في حياتهم
ومما جعلهم أسرى للكافر المستعمر وهم في بلدانهم ,هو ما ركز عليه هذا المستعمر الحاقد من أفكار تتعلق بالاقتصاد, حتى تراءى للمسلمين أن مصلحتهم تكمن في تطبيق أفكار الحكم المستوردة من عدوهم وأفكار الاقتصاد التي طبقت عملياً في جميع بلاد المسلمين, وهي الأكثر رواجاً وتأثيراً في واقع الحياة الاقتصادية في العالم الإسلامي.
لقد أدخل علينا الكافر أفكارا ومفاهيم ومصطلحات تتعلق بالاقتصاد وجعلها
تشمل كل نواحي الحياة الاقتصادية, ومن جملة ما أوجد من مصطلحات, مصطلح الضرائب وهو مصطلح غربي, يعني ما يفرضه السلطان على الرعية لإدارة شؤونها, فالإسلام لم يشرع ضرائب لإدارة شؤون الرعية بل جعل الواردات التي تلجُ بيت المال تكفي الأمة مهما بلغ تعدادها ومهما استلزمت من نفقات, ولا يحتاج الأمر لفرض ضرائب مباشرة أو غير مباشرة.
ولكن الشرع مع ذلك احتاط فجعل حاجات الأمة قسمين أثنين: منها حاجات فرضها على بيت المال أي على الموارد الدائمة لبيت المال, ومنها حاجات فرضها على المسلمين كافة, وجعل للسلطان الحق في تحصيلها لقضاء تلك الحاجات.
وهنا يبرز سؤال:هل يجوز للدولة الإسلامية أن تفرض ضرائب على المسلمين لإدارة شؤونهم؟ فالجواب على ذلك هو أن الشرع قد حدد واردات بيت المال وجعل هذه الواردات لإدارة شؤون الرعية ولم يشرع ضرائب لإدارة شؤون الرعية, ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدير شؤون الرعية بهذه الواردات, ولم يثبت عنه عليه السلام أنه فرض ضريبة على الناس مطلقا, ُوحين علمَ أن من على حدود الدولة يأخذون ضرائب على البضائع التي تدخل البلاد نهى عن ذلك فقد رويَ عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( لا يدخل الجنة صاحب مكس) ويقول في حديث أخر( أن صاحب المكس في النار) وهذا يدل على النهي عن أخذ الضرائب بالمعنى الذي اصطلح عليه الغرب والذي يستعمله حكام المسلمين اليوم.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:( لا يحل مال إمرىء مسلم إلا بطيب نفسه) وهذا عام يشمل الفرد والدولة, وأخذ الضرائب أخذٌ لمال المسلم من غير طيب نفسهُ, مما يدل على عدم جواز أخذها, إلا أن واردات بيت المال محدودة الجهات التي تستوفي منها ومحددة المقدار فقد لا تكفي لرعاية شؤون الرعية وقد توجد شؤون تحتاج إلى الرعاية وتكون واردات بيت المال قد نفذت فهل يجوز في هذه الحالة فرض ضرائب أم لا؟ والجواب على ذلك إن ما أوجبهُ الشرع على بيت المال فقط ولم يوجبه على المسلمين لا يحل للدولة فرضُ ضريبة عليهم مطلقا,فإن كان في بيت المال مالً, قامت الدولة بالإنفاق على ما تريد الإنفاق عليه,وإن لم يكن فيه مال أخرتهُ حتى يوجد لديها مال لتقوم به, ولا تفرض من أجله ضريبة لأن الشرع لم يوجب ذلك على المسلمين فلا يحل أخذ الضرائب لأن أخذها في هذه الحالة يكون ظلما وهو حرام ويعتبر فرض لم يفرضهُ الله تعالى وهو عدوان على الشرع يُعتبر فاعلهُ كافر إن اعتقد به .
ومن هنا لا يحل للدولة أن تفرض ضرائب على الرعية فيما لم يوجبه الشرع وذلك مثل إعطاء رواتب للعاملين على الزكاة ومثل إعطاء المؤلفة قلوبهم وإعطاء الأرقاء ليعتقوا والمدينين ليسدوا دينهم.
ومثل فتح طريق ثانية مع وجود غيرها تكفي لأداء الفرض ومثل إقامة سد للمياه وإقامة مستشفى ثانِ مع وجود أخر قائم بالحاجة فهذا وَمَن في مثلِهِ لا يحل للدولة فرضُ ضرائبٍ على المسلمين لأجله لأن الشرع لم يوجب ذلك.
أما ما أوجبه الشرع على بيت المال وعلى المسلمين فإنهُ إذا لم يوجد في بيت المال مال,فعندها على الدولة أن تفرض الضرائب على المسلمين بالقدر الذي يفي بالغرض, للقيام بالمصالح التي أوجبها الشرع عليهم وعلى بيت المال, وذلك لأنه ثبتَ بالنص أن الله أوجبها عليهم والإمام صاحب الصلاحية في تحصيلها منهم.
والمصالح التي يشترك فيها المسلمون وبيت المال للإنفاق عليها وجوباً مثل:
إعطاء الفقراء والمساكين وابن السبيل, لقوله صلى الله عليه وسلم ( أيما أهل عرصه أصبح فيهم امرؤٌ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى) وكالنفقات الواجبة للجيش والإعدادات للحرب إذا لم يوجد في بيت المال مال, لقوله سبحانه وتعالى{ وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} وقوله أيضاً { والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } وقوله صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم).
وكذلك كل ما كان عدم القيام به يسبب ضرراً للمسلمين, كفتح طريق لا يوجد غيرها وكفتح مستشفى تقتضي الضرورةُ فتحهُ وما شاكل ذلك من كل ما يكون صرفه مستحقاً على وجه المصلحة والإرفاق دون البدل ويسبب عدم القيام به ضرراً يلحق الجماعة.لقوله صلى الله عليه وسلم {لا ضرر ولا ضرار}فأرزاق الجند والقضاة والمعلمين والموظفين فهذه الأمور التي أوجبها الشرع على المسلمين مع إيجابها على بيت المال يجوز للدولة أن تفرض ضرائب لأجل القيام بها لأن النصوص صريحة في فرضها على المسلمين.
أما غير المسلمين فلا يجوز للدولة أن تأخذ منهم ضريبة أبداً لأن أمر الإنفاق مطلوب من المسلمين وليس من الذميين.
إن الضريبة التي أجاز الشرع استيفاءها من المسلمين لا بد وأن تكون ما زاد على المأكل والملبس والمسكن والخادم والزواج إن لم يكُن متزوجاً وما يركبه لقضاء حاجتهِ وما شاكل ذلك,على أن الله تعالى يقول{يسألونك ماذا ينفقون قل العفو}ولقول الرسول عليه السلام( أفضل الصدقةِ ما كان عن ظهرِ غنى ) وقوله صلى الله عليه وسلم( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) .
كما أنه يحرم على الإمام أن يأخذ من الرعيةِ مالم يجبُ عليهم دفعه,فعليه ان لا يأخذ الإ ما يكفي لمعالجة الحالة التي أراد أخذ الضريبة لها,أما ان يأخذ من كل الرعية من فقيرهم وغنيهم,وما يُحتاج له وما لا يُحتاج,كما هو حاصلٌ في هذه الأنظمة الظالمة اليوم,فهو تعدٍ على المسلمين وأكلٍ لأموالهم بالباطل, وتعدٍ على شرع الله تعالى وحدوده,يقول تعالى{ إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين }.