أيها المسلمون في باكستان! انبذوا المهزلة الديمقراطية كما نبذتم الدكتاتورية من قبل وأقيموا دولة الخلافة الضمان الوحيد لاستقرار باكستان
في الخامس والعشرين من شباط الماضي منعت المحكمة العليا نواز شريف وأخاه من اعتلاء أي منصب سياسي، وتبع القرار حالة من الفوضى والعنف شلت البلاد، إلى درجة دفعت بعض الناس إلى توقع فرض الحكومة لقانون الطوارئ.
إن المدقق في التوليفة السياسية في باكستان يدرك بأنها قد جرى ترتبها بعد إزاحة برويز مشرف تحت سمع وبصر أمريكا، وقبل تشكيل الحكومة الحالية كان الأمريكان والانجليز على اتصال دائم بالأحزاب العلمانية والإسلامية على حد سواء ومن ضمنهم حزب الرابطة بزعامة نواز شريف وحزب الشعب، وبعد أن عرف كل حزب الدور الذي سيلعبه تشكلت الحكومة بإرادة أمريكية ومنذ ذلك الحين ولغاية الآن لم تتخلف قيادات تلك الأحزاب عن لعب الدور الذي أسندته إليها أمريكا، وحتى هذه المهزلة السياسية الجارية الآن ليست خروجا عن النسق الأمريكي. فأمريكا تريد صنع ما يسمى بـ”الفوضى الخلاقة” في الوسط السياسي الباكستاني كي تتمكن من تنفيذ السياسة التي ورثتها عن الإدارة السابقة المتعلقة بالمنطقة، فبينما تستمر أمريكا بهجماتها يكون انتباه الناس مشدودا بعيدا عن منطقة القبائل وأفغانستان وسياسات أمريكا في المنطقة، لذلك لا عجب أن شاهدنا الفرقاء في الحكومة سواء أكان نواز شريف أم حزب الشعب، شاهدناهم كلهم مستمرين في الاجتماع بالأمريكان وأخذ التعليمات منهم.
لقد اتفق قادة حزب الشعب وقادة حزب الرابطة منذ اليوم الأول على خدمة مصالح أمريكا، إلا أن حزب الرابطة يحاول دائما إعطاء الناس انطباعاً أنه لا يتعاون مع أمريكا ولا يسير بحسب تعليماتها، ومع ذلك فإنه عندما قُتل المئات من المسلمين في منطقة القبائل ووادي سوات لم تحرك قيادة الحزب ساكنا، فلم ينكروا تلك الجرائم ولم يطلبوا من أعضاء الحزب الخروج للشارع كما يفعلون الآن ضد قرار المحكمة. إن سلوك كلا الحزبين مشين سواء أكان بالنسبة لمواقفهما من القتل في منطقة القبائل أم القتل الذي حصل في غزة أم مواقفهم تجاه العمليات العسكرية التي تقوم بها أمريكا في باكستان، وما يؤكد هذا الكلام موافقةُ كلا الحزبين في الجلسة التي عقدها البرلمان لبحث حرب أمريكا على الإسلام تحت غطاء”الحرب على الإرهاب”، موافقتُهما على مضي الحكومة في مشاركتها أمريكا لتلك الحرب الصليبية، مع أن الأصل أنه يجب عليهما الحد من هيمنة أمريكا على باكستان، ولكن بدلا من ذلك فهما يعملان للحد من نفوذ بعضهما البعض كما لو أن ذلك من عظائم الفروض! لقد تناسوا قضايا الأمة المصيرية وانشغلوا في صراع بعضهما بعضا لتحقيق أحلام العصافير ويطلبون من الناس دعمهم لتحقيق تلك الأحلام عند تعثرها!
إن واقع هذه الأحزاب لم يتغير عما كان عليه، فحينما كانوا في الحكم في تسعينيات القرن المنصرم كان نفوذ أمريكا في البلاد ملموسا للجميع وكانت تلك الأحزاب تنفذ سياسات أمريكا في المنطقة، سواء أكان ذلك من خلال تنفيذ سياسات أمريكا الرأسمالية الاقتصادية وإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أم تنفيذ سياسات أمريكا المتعلقة بأفغانستان أم بتطبيع العلاقات مع الهند أم بتسليم المواطنين الباكستانيين لأمريكا كما فعل مشرف إبان حكمه، إن الحكام الدكتاتوريين والديمقراطيين أمثال نواز شريف وزارداري بعضهم من بعض، فكلاهما يحمل في أحشائه العقيدة نفسها، وهي العمل بدأب للحفاظ على العلمانية ونظام الكفر كنظام حكم لباكستان والحفاظ على المصالح الأمريكية في كل وقت وفي كل ظرف، المهم عندهما الاطمئنان على بقائهما في السلطة، ولو ضاعت البلاد والعباد! وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم في وصف هؤلاء الحكام حيث قال: ((أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ قَالَ وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ قَالَ أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَا يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَسَيَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي)) رواه احمد
إن هذه القيادات غير مخلصة: فلا هي تطبق شرع الله، ولا هي تحمي المسلمين من الكفار، كما أنها غير جادة في تأمين أبسط الحاجات الرئيسية للناس وحل مشاكلهم اليومية، وبالكاد يلمس المرء من هذه القيادة بعض التصرفات الشكلية التزينية من أجل ذر الرماد في العيون، ومع ذلك فلم تجُد تلك التصرفات نفعا لحل المشاكل المتأزمة في البلاد من مثل الفقر والجوع وارتفاع الأسعار والبطالة ونقص العناية الصحية والتعليم، بل خلقت حياة تعيسة حتى أدت تلك المآسي ببعض الناس للجوء إلى الانتحار!
لا أمل في هذه القيادة في أن تحل مشاكل المسلمين في باكستان، وذلك لخلو جعبتها من أي حل حقيقي سوى الرتوش الشكلية التي يسمح بها الاستعماريون، فتغيير النظام بالنسبة لهم يعني إبقاء السلطة بين أيديهم، ولا مانع من تغيير بعض القوانين الإدارية، وتعيين المحسوبين عليهم، وطرد المناوئين لهم، ونقل الموظفين من أماكنهم لمصالحهم الشخصية، وتقوية بعض مؤسسات الدولة وإضعاف البعض الآخر!
فعندما كانت الناس تعاني من الإهانات الخارجية على أيدي الكفار ومن ارتفاع الأسعار في الحقبة التي كان مشرف حاكما فيها كانت القيادة الحالية ترجع سبب تلك المشاكل لحكم مشرف الدكتاتوري، وها قد تغير مشرف وجاءت ديمقراطيتهم، ففشلت مثل سابقتها في حل تلك المشاكل، كما فشلت مرات عديدة من قبل، أفليس لزاما على تلك القيادة أن تعترف بأن الدكتاتورية والديمقراطية وجهان لعملة واحدة وأنهما سيفشلان في حل مشاكل المسلمين في باكستان؟! ولكن هذه القيادة بدل الاعتراف بذلك فهي تتشبث بالديمقراطية مدعية أن الديمقراطية خيار الناس كي يحلو لها خدمة مصالحها من خلال الفساد وانهيار النظام!
لقد عانت باكستان على مر العقود العديدة الماضية من جراء وباء وضع السياسات الشخصية وبشكل منظم، وتضليل الناس بوعود كاذبة، حتى إذا انخدع بعض الناس بهم وساروا خلفهم خذلوهم وتخلوا عنهم بعد وصولهم للسلطة وتحقيق مصالحهم الشخصية، فندم الذين انخدعوا بهم ولكن حيث لا ينفع الندم. وزيادة على ذلك فقد استمر هؤلاء الواصلون للحكم يتراشقون الاتهامات، خالقين حالة فوضى في البلاد، باذلين وسعهم لتضليل الناس عن جذور المشكلة الحقيقية، وهي العلمانية ونظام الكفر المطبق والمدعوم من قبل الكافر المستعمر، وهو النظام عينه الذي طبقته القيادة الدكتاتورية السابقة. فطالما بقي هذا النظام فإن مشاكل باكستان ستتفاقم أكثر فأكثر سواء أكانت مقاليد الحكم في أيدٍ ديمقراطية أم أيدٍ دكتاتورية.
أيها المسلمون في باكستان!
كما تشهدون فإن النظام الاستعماري والقيادة الفاسدة اثبتا عدم جدواهما في حل مشاكلكم وحماية الإسلام والمسلمين. إن النظام الوحيد القادر على حل مشاكلكم هو النظام الحق الذي أرسله الله سبحانه وتعالى للبشرية كافة، وهو النظام الذي تطبقه دولة الخلافة. فهو النظام الذي أرسله خالق البشر الذي يعلم ما يصلح حال الناس وما يفسده حيث قال سبحانه وتعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14.
أمامكم حزب التحرير الحزب الذي قام لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة. وحزب التحرير يدعوكم لنبذ المهزلة المسماة ديمقراطية والانضمام له لإقامة دولة الخلافة. فالخلافة وحدها هي التي ستجعل لكم قيادة مخلصة تقدم مصالح الإسلام والمسلمين على جميع المصالح، وهي القيادة التي ستحل مشاكلكم الاقتصادية والقضائية والاجتماعية والتعليمية والمشاكل الداخلية والخارجية بتطبيق أحكام الشرع الحنيف.
يا أهل القوة والمنعة!
أليست انتكاسات النظام الحالي المتكررة وانتكاسات النظام السابق كافية لتحزموا أمركم وتهبوا لإنقاذ أهاليكم من هذه الفوضى وتعطوا حزب التحرير النصرة لإقامة دولة الخلافة التي ستنقذ المسلمين في باكستان من الفوضى السياسية؟.
إن إقامة دولة الخلافة على أنقاض الحكام الفاسدين وعد من الله سبحانه وتعالى، فمن منكم يتقدم للحصول على تلك المكرمة؟ يقول الحق تبارك وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55