من المواضيع الاقتصادية- منع كنز الذهب والفضة- لقاء مع الأستاذ أبي محمد
قبل أن نتعرف على واقع كنز الذهب والفضة، لابد من توضيح مشكلة توزيع الثروة بين الناس، ففي النظام الرأسمالي يهتم الاقتصاديون بعمل دراسات اقتصادية عامة، ولا تعالج المشكلة كمشكلة إنسانية تتعلق بكل فرد من أفراد المجتمع وإنما تهتم بها كمشكلة اقتصادية، فمثلا يقولون أن دخل الفرد السنوي لديهم مرتفع وانه يوجد فائض من الحاجات الأساسية لديهم، فهل يعني ذلك أن كل فرد لديهم يحصل على هذه الحاجات، والجواب على ذلك هو الواقع فنلاحظ أن هنالك ملايين الفقراء يتسولون في الشوارع وينامون في الحدائق العامة دون رعاية من قبل الدولة.
أما الإسلام فانه عالج مشكلة التوزيع وذلك في تحديد كيفية الملكية وإعطاء الفقير ما يحتاجه من حاجات أساسية وحتى كمالية إن توفر في بيت المال فائض من الأموال. نأتي الآن لتوضيح واقع كنز الذهب والفضة وهو أن تنفرد فئة معينة من الأغنياء الكبار في المجتمع بحبس هذه الأموال ومنعها من التداول في السوق بسبب الجشع والطمع وعدم الرغبة في أن تصل هذه الأموال إلى الفقراء والمحتاجين، فجاء النظام الاقتصادي الإسلامي ليعالج هذه المشكلة علاجا شافيا وافيا، فحرم كنز المال تحريما قطعيا بقوله تعالى :”وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ” وكما نعلم من علماء الأصول انه إذا لم يرد معنى شرعي لكلمة معينة فانه يجب أن تفسر حسب المعنى اللغوي فقط. ومعنى الكنز لغة يعني الضم والجمع ولذلك كان الكنز جمع المال بعضه لبعض ليغير حاجة.
وهنالك فرق بين الكنز والادخار فلأول وهلة يظهر أن لهما نفس الواقع والحقيقة أن الكنز كما بينا سابقا هو جمع المال بعضه لبض لغير حاجة، فهو منع للمال من التداول في السوق، وأما الادخار فهو خزن المال لحاجة من الحاجات مثل أن يدخر موظف مالا ليشتري بيتا، أو يخزن الأب مالا ليدرس أبنائه في الجامعة، أو يجمع المستثمر مالا ليبني مشروعا اقتصاديا. وهذا كله واقعه انه ليس حبسا للمال عن التداول في السوق وإنما هو من أجل هدف يتمكن من خلاله تجميع كمية معينة من المال لكي يستطيع أن يستثمرها في مشروع معين، ويحرك لاقتصاد.
والثابت أن العالم لم يعرف نظاما اقتصاديا مثل النظام الإسلامي في حله لمشكلة تراكم الثروة المعطلة دون أن تستثمر في تحسين الأحوال المعيشية في المجتمع، فلقد جاء الإسلام ودعا الناس إلى أن يتحرروا من عبودية الدرهم والدينار وان يعملوا على تحريك رأس المال واستثماره وإنفاقه بما ينفع المجتمع، وشدد الحملة على كنز المال وتجميده وتعطيله عن أداء رسالته الاقتصادية.
أما النظام الرأسمالي في العصر الحديث فقد أطلق العنان للمكية الفردية دون النظر إلى حاجات المجتمع فأباح هذا النظام كنز المال بسبب الأنانية والطمع والجشع فادى ذلك إلى الركود الاقتصادي حيث يحول كنز المال دون نشاط التداول النقدي وهو ضروري لإنعاش الحياة الاقتصادية في المجتمع، وحبس المال تعطيلٌ لوظيفته في توسيع ميادين الإنتاج وتهيئة وسائل العمل للعاملين.
وقد حرم الإسلام كنز المال ليساهم المال في ميدان العمل والتنمية ويعود نفعه على الأمة كلها رخاء وقوة وسيادة، ولئلا يكون المال قوة معطلة شلاء فيحبسه صاحبه مما يزيد الهوة عمقا واتساعا بين الأغنياء والفقراء. فالثروة في النظام الإسلامي لابد أن تتصف بصفة الحركة والسيولة الدائمة حتى تؤدي دورها في تنشيط الحركة الاقتصادية وإشباع حاجات المستهلكين، فحين يتداول الناس الثروة في الأسواق وتنتقل في الأيدي وتتضافر عليها الجهود، تؤدي هذه الحركة إلى نمو عام في ثروة البلاد وازدهارها ونشاط وحركة قوية في الأسواق وإشباع الحاجات المختلفة. وبالعكس تماما عند كنز المال تتوقف الثروة عن الحركة والتقلب في الأسواق في وجوه النشاط المالي، كما تضطرب حياة الناس وتختل عندما لا تستطيع الأسواق أن تفي بحاجات الناس الاستهلاكية المختلفة.
بقيت مسألة وهي أن بعض الفقهاء قد أباح كنز الذهب والفضة وذلك إذا أخرجت زكاته استنادا إلى بعض الأحاديث التي لم يصح منها شيء ولا ينسخ القران بالأحاديث، وقال بعضهم أن الكنز هو فوق نصاب الزكاة من الذهب والفضة ولكن في الحديث الوارد قول الرسول صلى الله عليه وسلم “كية وكيتان” دليل على اعتباره لهما أنهما كنز ولو لم تجب فيهما الزكاة وهذا يشير إلى ما جاء في آية الكنز : { يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ } .