Take a fresh look at your lifestyle.

  لن تنالوا الراحة بالراحة- للأستاذ أبي أنس

 

كانت هذه كلمات ترددها السيدة إنابتخان رحمها الله لأحفادها وهي توصيهم بالصبر على حمل الدعوة في أوزباكستان. وهي حقا محقة في هذه الكلمات. فلن تتغير أوضاعنا كمسلمين، ولن يصلح حالنا، ولن تتحرر بلادنا، ولن نتخلص من قبضة الغرب على رقابنا، ولن نتخلص من حكامنا الظلمة، ولن نسترد سلطاننا، ولن تعود لنا خيراتنا، ولن نثأر لدماء المسلمين الزكية، ولن يمكن الله سبحانه لنا في الأرض، ولن نعود إلى سالف عهدنا، إلا بعد الابتلاء والتمحيص والتعب والتضحية ودفع الغالي والنفيس.

إن هذه سنة من سنن الله. يؤكدها قولُه تعالى { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }، وقوله تعالى { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين }، وقوله تعالى { لتبلون في أموالكم وأنفسكم }، وقوله تعالى { واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس }، وقوله تعالى { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } .

وما واجهه الأنبياء عليهم السلام وما واجهه الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحابته من تعذيب وتشديد وتكذيب وحصار ومقاطعة لخير دليل على أننا لن ننال الراحة بالراحة، وما قصة بلال وقصةُ وآل ياسر وقصة الخباب بن الأرت وقصة أبي ذر الغفاري إلا تنطق بذلك. وينطق بذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم (قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل، ولكنكم تستعجلون ).

وقد جاء على لسان الإمام الشافعي حين سأله رجل: أيها أفضل للمرء، أن يمكن، أو يبتلى؟ فقال الإمام الشافعي: لا يمكن حتى يبتلى. وهذا الابتلاء للمؤمنين ابتلاء الرحمة لا ابتلاء الغضب، وابتلاء الاختيار لا مجرد الاختبار. فلو أن قائدا أراد إعدادا لمعركة ضارية، أيكون من الرحمة بجنوده أن يخفف لهم التدريب ويهون عليهم الإعداد، أم تكون الرحمة الحقيقية أن يشد عليهم في التدريب على قدر ما تقتضيه المعركة الضارية التي يعدهم من أجلها، ولله المثل الأعلى.

إن واقعنا الأسود يسير من سيء إلى أسوء ما لم نتدارك الأمر. وإننا بين أمرين اثنين: إما الاتكال والخنوع، فيستمر الذل والهوان في الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر. وإما العمل الجاد المجد، واضعين نصب أعيينا أن طريق عزتنا الذي سيرفعنا من الحضيض إلى القمة، والذي سيغير من حالنا من أمة تكالبت عليها الأمم إلى خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وتؤمن بالله، طريق عزِتنا هذا صعب وليس بسهل، ومليء بالأشواك لا بالورود.

هذه الراحة في الدنيا، أما الراحة في الآخرة فهي أيضا لن ننالها بالراحة. قال تعالى { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا }، وقال صلى الله عليه وسلم (ألا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله الجنة).

أخي فامض لا تلتفت للوراء     طريقك قد خضّبته الدماء

ولا تلتفت ههنا أو هناك          ولا تتطلع لغير السماء