لقاء مع الأستاذ إبراهيم الشريف عضو المكتب الإعلامي في فلسطين حول قضية فلسطين
تعتبر قضية فلسطين من أكثر قضايا بلاد المسلمين حساسية، تتشابك خيوط العالم كله في نسج بساط حلها، ويكتنفها الكثير من التضليل والدجل السياسي، ويزداد تصوّر القضية والحل تعقيدًا عند الناس من كثرة المشاريع الغربية والبرامج الحزبية ….
ما هي نظرة حزب التحرير لقضية فلسطين؟
إن نظرة حزب التحرير لقضية فلسطين نظرة إسلامية صرفة، ففلسطين أرض إسلامية خراجية يملكها جميع المسلمين إلى قيام الساعة، ولا يجوز البتة لكائن من كان أن يفاوض أو يتنازل عن ذرة منها مهما كانت الظروف ومهما كانت المبررات، والواجب على المسلمين جميعًا دون استثناء توجيه الطاقات وتحريك الجيوش تحريكا حقيقيا لتحريرها وتخليصها من براثن يهود.
وكيان يهود هذا أوجدته الدول الغربية ليكون خنجرًا في خاصرة العالم الإسلامي يعيق حركته ويبعده عن وحدته، ويشغله عن الصراع الأصلي مع الغرب الكافر الذي هدم الخلافة، بينما يتخلصون هم من شرور اليهود.
وهذا الكيان رعته الدول العربية العميلة المحيطة به، سرًا وجهرًا حتى وصل إلى هذه المرحلة التي هو عليها اليوم، وأخرجوا بالطبع معارك مسرحية ليثبتوا في أذهان المسلمين أن جيش يهود لا يقهر وأنه قدر مقدور لا فكاك منه..
فنحن ننظر لها كقضية إسلامية عقائدية لا كقضية وطنية أو قومية ولا مجرد قضية أرض محتلة.
كثيرون يقولون أن قضيةَ فلسطين قضيةٌ إسلامية أليس كذلك؟
بلى، صحيح أنه لا يستطيع أن ينكر منكر أن قضية فلسطين قضية إسلامية، ولكن المهم هو التعامل مع قضية فلسطين على هذا الأساس وليس مجرد القول بهذا … وذلك يكون برفض مسخ القضية من قضية إسلامية إلى عربية أو وطنية تخص ساكنيها يقف منها بقية المسلمين موقف المتفرج أو موقف الجار وليس موقف الجسد الواحد، ناهيك عن موقف السمسرة لحساب الدول الغربية كما يفعل حكام مصر والسعودية وغيرهم..
وبرفض ما يسمى بالمشروع الوطني، وإعلان البراءة مما يسمى بالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني الذي ما أوجد إلا للتفاوض باسم أهل فلسطين ليصل بنا وبالقضية إلى ما آلت إليه اليوم، وعدم الخوض في المشاريع السياسية التي يطرحها الغرب الكافر ويروجها حكام العرب.
وأي إقرار للحكام الظلمة على حالهم الذي هم فيه من اعتراف بكيان يهود، وسكوت عن جرائمه واحتلاله لأرض الإسراء والمعراج، وترويج للتطبيع معه، وتوسط بينه وبين أهل فلسطين المحتلين.. يعتبر مناقضًا لكون قضية فلسطين إسلامية، فالحكام مسئولون شرعًا عن قضية فلسطين أكثر من أهل فلسطين المغلوب على أمرهم..
وأي إعفاء لهم من المسئولية بأي شكل من الأشكال، يعتبر كذلك مناقضًا لهذا الأساس
وأي احترام أو اعتراف بقرارات ما يسمى بمجلس الأمن الدولي .. يعتبر مناقضًا لذلك
وأي إنشاء أو مشاركة في مؤسسات أو حركات قائمة على حصر القضية في أهل فلسطين ..يعتبر مناقضًا لذلك
وأي تصوير للقضية على أنها قضية مفتاح وبيت وأرض .. يعتبر مناقضًا لكون القضية قضية إسلامية كذلك
وهكذا فكما ترى فإن كون قضية فلسطين قضية إسلامية عمل وليس إدعاء.
هل لقضية فلسطين خصوصية في نظر حزب التحرير أم أنها كأية قضية من قضايا المسلمين سواء بسواء؟
فلسطين أرض إسلامية وخراجية في نفس الوقت، وربطها الله تعالى بعقيدة المسلمين حتى قبل أن تفتح وذلك عندما أسرى الله بنبينا محمد (ص) إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء، وذكرها في القرآن الكريم الخالد في فاتحة سورة الإسراء وبارك فيها.
لذلك فهي فوق كونها إسلامية حكمت بالإسلام، وكونها خراجية أي ملك عام للمسلمين جميعًا حتى قيام الساعة، فإنها مباركة ومربوطة بعقيدة المسلمين جميعًا ففيها المسجد الأقصى الذي بورك حوله.
وهذا كله يجعل لها مكانة كبيرة في الإسلام وفي قلوب المسلمين، وكيف لا وهي قبلتهم الأولى؟
لذلك فإننا نعتبرها القضية الثانية بعد قضية إقامة الخلافة والحكم بما أنزل الله، فلا شك أن تعبيد الناس لله وحده بحكمهم بالإسلام هي قضية القضايا والتي بعث الله تعالى الرسل جميعهم من أجلها.. (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت..)
حزب التحرير حزب سياسي مبدؤه الإسلام، فما الذي قدمه حزب التحرير لقضية فلسطين؟
إن التضحيات في سبيل قضية فلسطين كقضية إسلامية إذا لم تصب في منهج سياسي يفضي للتحرير الحقيقي، فإنها تكون تضييعًا للطاقات وتغييبًا للحقائق، ففلسطين حلها يكون بخطوتين اثنتين:
الأولى: رفض المشاريع التآمرية المطروحة جميعها والثبات على حق المسلمين جميعًا في أرض الإسراء والمعراج وعدم التفريط بذرة منها تحت أي مسوغات.
الثانية: فضح وكفاح الأنظمة العميلة التي تحمي كيان يهود وتمده بأسباب الحياة واستنفار الجيوش والمسلمين لإسقاط حكامهم والجهاد في سبيل الله..
وغير ذلك من الخوض في دهاليز المخابرات العربية والانخراط في المشاريع المطروحة وحصر القضية في أهل فلسطين ، يعتبر تنازلاً وتهاونًا في حق هذه الأرض المقدسة..
فعلى صعيد الخطوة الأولى وقف حزب التحرير وقفات مشرفة يصعب حصرها، بيّن فيها حقيقة هذه المشاريع وحرض فيها أهل فلسطين على الوقوف في وجهها بدءً من المشروع الأوربي بإقامة دولة ثنائية القومية، ثم كشفه لحقيقة منظمة التحرير عند قيامها وتحريمه العمل معها كونها أنشأت لتسليم فلسطين، ثم المشروع الأميركي الذي يقضي بإقامة دولة لليهود بجانب دولة قابلة للحياة على جزء من أرض الضفة وغزة للفلسطينيين، ثم وقوفه في وجه السلطة الفلسطينية قبل أن تطأ أقدام قادتها أرض فلسطين .. والكثير من المواقف والتي كان آخرها هبة الحزب القوية الشامخة في وجه السلطة الخانعة بمناسبة مؤتمر أنابوليس الخياني والتي سقط خلالها الشهيد هشام البرادعي رحمه الله تعالى..
وعلى صعيد الخطوة الثانية فإن أعمال الحزب البطولية في التصدي للحكام الظلمة تملأ سمع الدنيا وبصرها، يسير فيها قويًا بربه عزيزًا بدينه رغم السجن والقتل والترهيب والتعذيب في طول البلاد الإسلامية وعرضها، حاملاً الإسلام بعقيدته وأنظمته المبلورة منقضًا على عقائد وأنظمة الكفر الموجودة في بلادنا الإسلامية لينسفها من جذورها ويكشف عنها بريقها الخادع، وقام الحزب بتعرية الحكام إلى جانب تعرية الأنظمة فأحصى على الحكام الخونة أنفاسهم فضاقوا به ذرعا وصاروا يعتقلون شباب الحزب كلما هموا بارتكاب خيانة ليروجوها على المسلمين دون تشويش ولكن الحزب كان لهم بالمرصاد بعون الله تعالى، فكشف حقيقة الجامعة العربية وأظهرها على حقيقتها منذ العام 1960م وتصدى لمشروع بورقيبة عام 1965م وكشف عن تسليم الملك حسين للضفة قبل أن يتم ذلك وكشف للأمة أيضًا ما سيحصل بعد حرب عام 67م من انسحاب من سيناء وغزة وتوقيع معاهدة صلح مع مصر والأردن ووقف كذلك ضد اتفاقية كامب ديفيد وحرض الأمة عليها و.. الكثير الكثير من الأعمال العظيمة وآخرها مؤتمر انابوليس وإعطاء الحكام العرب التطبيع المجاني ليهود وصك البراءة لبوش من دماء المسلمين..
وهكذا فإن أعمال حزب التحرير جميعها تصب في منهج يفضي إلى إبقاء القضية في إطارها الصحيح وهو الإطار الإسلامي، وإبعاد كل الدسائس الغربية وتحريك المسلمين والجيوش جميعًا لإنهاء كيان يهود في معركة حقيقية.
يرفض حزب التحرير وجود السلطة الفلسطينية وما قامت به من اتفاقيات، فهل هذا يعني أن حزب التحرير يريد أن يعود قطاع غزة والضفة تحت الاحتلال؟
صحيح أننا نرفض وجود السلطة لأنها كيان نتاج استعماري مصطنع، وما قامت به من اتفاقيات يناقض الإسلام كل المناقضة وحتى أنه يناقض الوطنية المزعومة، ولكن المغالطة الموجودة هي أن يعتبر الناس السلطة سلطة ذات سيادة تقوم على أرض محررة، فالسلطة في حقيقتها كيان يعطي الشرعية لكيان يهود ويحمي أمنه وهذا يصدقه الواقع الموجود، وهي نفسها -أي السلطة- تحت الاحتلال ..
إذن فالاحتلال موجود موجود، لكن السلطة الفلسطينية تقوم ببعض الأعمال نيابة عن الاحتلال وبدعم من الدول الاستعمارية الكافرة، وتصور للمسلمين أن هناك سلطة قائمة وأن الاحتلال انتهى وإنما بقيت بعض الأمور الخلافية مع يهود
وفي حالة الاحتلال تكون القوة المحتلة مسئولة عن رعاية من احتلتهم، وقد كان هذا حملا على دولة يهود تخلصت منه وألقته على كاهل غيرها..
وهذا ينطبق أيضًا على قطاع غزة، فقطاع غزة انسحبت منه دولة يهود انسحابا من طرف واحد وحقيقته هذه الانسحاب هو إعادة انتشار حول القطاع مع الإبقاء على جميع المنافذ أرضًا وجوًا وبحرًا في يدها، فحقيقة غزة أنها سجن سجانه دولة يهود وما يدور فيه من تنصيب حكومات ووزراء وغير ذلك هو لعب وتلهي ..
فخلاصة القول أنه من التضليل أن يقال أن الاحتلال قد زال، وأن السلطة سلطة ذات سيادة، فلابد من قراءة الواقع قراءة واعية وتبديد كل تضليل وتدليس يمارسه السياسيون المغرضون ووسائل إعلامهم الموجهة.
لماذا لا يقوم حزب التحرير بعمليات عسكرية ضد يهود؟
حزب التحرير حزب سياسي عالمي، قام لغاية واحدة محددة جعلها الإسلام أولوية قصوى وهي فرض استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة التي تطبق الإسلام في الداخل وتحمله إلى العالم، فعمله محدد بغايته، أما أي حكم شرعي آخر فيقوم به أعضاء الحزب كبقية المسلمين ..
حزب التحرير لا يقوم بعمليات عسكرية ضد كيان يهود، ويرفض رفضًا قاطعًا عملية التسوية الجارية، فماذا يريد حزب التحرير من أهل فلسطين أن يفعلوا إذن؟
في الحقيقة … أهل فلسطين أمام خيارين اثنين: فإما أن يرفضوا المشاريع التصفوية ويصبروا ويتمسكوا بالأرض المباركة، وإما أن يقاتلوا العدو حتى لا يطيب له مقام في أرضنا ولكن دون الخوض في مستنقع وفخ المشاريع التي يروجها الحكام العرب.
هذان خياران: إما الصبر والتمسك وإما المقاومة مع عدم الخوض في مشاريع الكفار التي يروجها الحكام العملاء
حتى يكرم الله عباده الصالحين العاملين في العالم الإسلامي فيطيحوا بنظام أو أكثر من الأنظمة الطاغوتية فتتحرك الجيوش الإسلامية بشوق للجهاد في سبيل الله لتضرب كيان يهود الضربة القاضية، وقد حدث في تاريخ المسلمين أن احتلت بيت المقدس قرابة الـ 90 عامًا كان خلالها المسجد الأقصى اصطبلا لخيل الصليبيين وصبر المسلمون على دينهم وأرضهم ولم يفرطوا بشبر ولم يفاوضوا كما نسمع اليوم ونرى حتى أذن الله بنصره فيسر لهم القائد المسلم صلاح الدين الذي لم يكن بالمناسبة عربيًا ولا حتى من فلسطين.
كيف تنظرون إلى دور مصر في قضية فلسطين؟
مصر كان لها الدور المشرف في حياة المسلمين، فمصر قطز وبيبرس التي وقفت أمام جحافل التتار ودحرتهم وحفظت الأمة من شرهم نفتقدها اليوم، ولا نرى اليوم إلا سمسرة لحساب يهود والولايات المتحدة الأميركية، عدا طبعا عن مد اليهود بأسباب الحياة والاعتراف بهم والتقاعس عن الجهاد في سبيل الله وعدم الحكم بما أنزل الله..
ما قامت به مصر خلال العقود الماضية وما تقوم به اليوم يصب كله في الرؤية الأميركية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب دولة لليهود، وما تقوم به اليوم فيما يسمى بالحوار الفلسطيني الفلسطيني هو للحفاظ على هذا المشروع، وهذا يدل عليه تصريحات كبراؤهم فقد قال عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية أن الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني يقوض حل الدولتين وهذا طبعا نرفضه .. حسب قوله، فما يقومون به يصب في النهاية يصب في رؤية أسيادهم الأمريكان ولا يقومون لحل القضية لأن حل القضية معروف، فلسطين لا يفصلها عن مصر عمليا أي شيء ،الحدود الموجودة حدود وهمية اصطناعية عبارة عن أسلاك وبعض أكوام من الحديد، القضية معروفة وحلها معروف وهو تحريك الجيوش لإزالة هذا الكيان المغتصب، لكن واقع مصر أنها وقعت اتفاقيات مع هذا الكيان وقامت بحروب مسرحية تم فيها خداع الجيش المصري المغوار من قبل السياسيين لتثبيت كيان يهود في هذه الأرض، وتقوم مصر الآن على سبيل المثال بمد يهود بالغاز الطبيعي، حتى أن هذا الغاز الطبيعي من الناحية العقلية لا يصح أن تصدره لأن مخزون مصر من الغاز الطبيعي يكفيها لبضعة عقود -ثلاثة أو أربعة عقود فقط، فلماذا تصدره لكيان يهود؟ الأولى أن تحتفظ به لنفسها كي لا تستورد فيما بعد، ولكن الأنظمة المحيطة بكيان يهود تقوم على أمر واحد وهو حماية وتمكين أمن يهود، نحن نرى ونسمع كل فترة أن مصر اعتقلت متسللين لأرض فلسطين. تقوم مصر بحماية هذه الحدود، مصر قبل يومين سيطرت على كمية من المتفجرات … فمصر هي التي تمنع …وتمنع …
إذا أرادت مصر أن تحل قضية فلسطين فحلها يكون بالجهاد،وإننا نهيب بالجيش المصري ومن فيه من مخلصين أن يخلصوا الأمة وأهل مصر من حكامها فيتحررون من سيطرة هذه الزمرة الخائنة ويندفعون تجاه فلسطين مجاهدين محررين فيلغوا الحدود ويعيدوا سيرتهم الأولى باجتثاث كيان يهود .. وإنهم على ذلك لقادرون بإذن الله تعالى..
هل هناك علاقة بينكم وبين التنظيمات الفلسطينية الأخرى؟
علاقتنا مع التنظيمات الأخرى عمومًا علاقة تناصح بين الأفراد الذين تربطنا بهم رابطة العقيدة الإسلامية، أما من الناحية الحزبية فلا يوجد أي نوع من أنواع التنسيق بيننا وبين أي فصيل سواء أكان هذا الفصيل علماني كان أم إسلامي، عسكري كان أم سياسي. لا يوجد أي تحالفات بيننا وبين أي فصيل، الموجود هو العلاقة الطبيعية بيننا كمسلمين بين شباب الحزب وأبناء التنظيمات الأخرى جميعها، الموجود هو علاقة التناصح والتزاور.
إلى أين وصلت مشاريع السلام المزعومة بقضية فلسطين؟
ما تسمى بمشاريع السلام هي في حقيقتها مشاريع تطلقها الدول الكبرى أميركا وأوروبا لإرساء وضع معين، هذا الوضع يكرس وجود وقوة دولة يهود ويعطيهم الشرعية المزعومة ويضمن في نفس الوقت موضع قدم لهذه الدول على حساب المسلمين وأرض المسلمين..
المطروح اليوم من هذه المشاريع هو مشروع الدولتين وتطرحه الولايات المتحدة منذ عدة عقود، وقد عملت هذه الدول الكبرى على مسخ القضية وحرفها عن مسارها الصحيح الوحيد الكفيل بتحريرها وهو مسار الأمة الإسلامية بعيدًا عن الحكام العملاء وتدخلات هذه الدول المستعمرة
فآلت القضية – نتيجة هذه المشاريع- إلى احتلال مجاني دون تكلفة وإعطاء لشرعية مزعومة ليهود مع تحويل الثورة المزعومة إلى أجهزة أمنية تلاحق أهل فلسطين لتحمي كيان يهود.
نرى اليوم اعتمادًا كليًا على الدول الغربية في حل مشكلة فلسطين، فهل هذا جائز شرعًا؟
يقول الله تعالى: :{ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} الركون إلى الذين ظلموا معناه الاستعانة بهم في حل المشكلات والرضى بأعمالهم، وهذا منهي عنه بنص الآية الكريمة، وقد رتب الله على ذلك عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية، فعدم النصر في وقله تعالى : ثم لا تنصرون والخذلان هو العقوبة الدنيوية، والنار في وقله تعالى : فتمسكم النار.. هي العقوبة الأخروية ..، فهذا طلب جازم من الله سبحانه وتعالى بعدم الاستعانة بالكفار في حل المشكلات وعدم الرضى بأعمالهم والركون لهم..
ويقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ، بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}.
تعقب الآية: بل الله مولاكم وهو خير الناصرين، لأن الذين يطيعون الكافرين يطيعونهم رجاء النصر والنصرة منهم، لكن في هذه الآية الكريمة وهذا طلب جازم من الله بعدم طاعة الكافرين وتوليهم وبأن الله تعالى هو مولانا وليس الكفار وهو خير الناصرين
هذا بالعموم
بخصوص قضية فلسطين، فإن الله سبحانه وتعالى عندما تحدث عن المسجد الأقصى في فاتحة سورة الإسراء بقوله: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أتبع هذه الآية بآية أخرى وهو قوله تعالى: { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً }. يجب ربط الآيات ببعضها البعض، فعندما تتلو هذه الآيةُ الآيةَ التي تحدثت عن المسجد الأقصى وعن أن الله تعالى بارك حوله، يجب أن نربط هذه الآية بالتي قبلها، لماذا الله سبحانه وتعالى يقول بأنه آتى موسى الكتاب وجعله هدى لبني اسرائيل وجعل ملخصه ألا تتخذوا من دوني وكيلاً؟ يعني أيها المسلمون هذا المسجد الأقصى المبارك وما حوله -ففلسطين كلها مباركة – لا تتخذوا من دون الله وكيلا في حل مشكلاتها، اتخذوا فقط الله سبحانه وتعالى..
ولا أدري كيف يستعان بمن مكّن ويمكّن يهود في فلسطين لتحرير فلسطين، اللهم إلا إذا كان الذين يقومون بذلك يدركون أنهم يسيرون في طريق تصفية القضية لحساب من يدعمهم.
لذلك فإن إنقاذ فلسطين لا يكون بإغضاب رب العالمين، بل يكون بتولي المؤمنين الصادقين ونبذ التعامل مع الكفار المستعمرين، فهم أعداء لله ولرسوله وللمؤمنين فلا يرتجى منهم نصر ولا تمكين. وقد قال تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، ماذا يعني هذا ؟ هذا يعني ألا نتولى الكافرين وأن نتولى الله ورسوله والذين آمنوا، وهذا يعني أن نعمل مع المؤمنين الصادقين ومن خلالهم لتحقيق غايتنا ملتزمين طريقة شرعية، والطريقة الشرعية بالمناسبة هي أقصر الطرق لتحقيق الغاية، لكن إذا نبذ المسلمون مشاريع الكفار القائمة على أساس تقزيم القضية إلى قضية فلسطينية وطنية.
وإن خلاص فلسطين من هذا الوحل لا يكون أبدًا بالدخول تحت سقف العمل الوطني الضيق الذي دعّمه الاستعمار وشجعه، فإنه علاوة على حرمة طاعة الدول الاستعمارية الكافرة وعملائها من الحكام وحرمة تحقيق مصالحها في بلاد المسلمين بحجة المصالح المشتركة، فإن النتائج الواقعية حريةٌ أن تدفع كل ذي عقل إلى نبذ التعامل مع الدول الاستعمارية وعملائها، وإلى أن يتولى المؤمنين الصادقين.
منعت السلطة الفلسطينية عقد عدة ندوات حول الأزمة الاقتصادية العالمية في الضفة الغربية، ما تعليقكم على هذه الأفعال؟
كنا قد وزعنا بيانًا حول هذا الأمر ذكرته وسائل الإعلام، أعلنا فيه موقفنا المتمثل في أن السلطة دربتها وسلحتها أميركا وكيان يهود لملاحقة المسلمين ومحاربة الإسلام وليس لمحاربة كيان يهود، ويبدو أن تبيان فساد المبدأ الرأسمالي وفضحه وطرح النظام الاقتصادي الإسلامي بشكل ملفت ، وكشف الحزب للمؤامرات الأميركية ووقوفه في وجهها أغاظ ويغيظ أسيادهم من الجنرال دايتون ومن شاكله .. لذلك استُنفرت السلطة لمنع نشاط الحزب ولكن نقول للسلطة ومن وراء السلطة إن طواغيت العالم الإسلامي جميعهم لم يستطيعوا أن يمنعوا نشاط حزب التحرير لا بقراراتهم ولا بأفعالهم بإذن الله سبحانه وتعالى وبكرمه، فشباب حزب التحرير أقوياء بربهم أعزاء بدينهم، فهم يركنون إلى ركن شديد وهو الله سبحانه وتعالى يتوكلون عليه في كل صغيرة وكبيرة، لذلك لن تستطيع لا السلطة الفلسطينية ولا النظام السوري ولا النظام الأوزبكي ولا أي نظام من الأنظمة القمعية في العالم الإسلامي أو غير العالم الإسلامي أن يمنع شبابًا يتصفون بهذه الصفات، شبابًا يحملون العقيدة الإسلامية راسخة في قلوبهم وعقولهم، شبابًا يندفعون كالشهب الثاقبة يحملون نور الإسلام إلى العالم، لن يقف بإذن الله في طريقهم أحد.
هؤلاء يريدون أن يمنعوا كلمة الحق، ولكن الله سبحانه وتعالى يأبى إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون.
والحمد لله رب العالمين.