نفائس الثمرات – أَهْلُ الهُدَى وَأَهْلُ الضَّلالِ
العالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية ، فاستبانت لهم السبيلان كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده والطريق الموصل إلى الهلكة . فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم وهم الأدلاء الهداة ، وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة ، فإنهم نشئوا في سبيل الضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصلة ، ثم جاءهم الرسول فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم ، فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام ومن الشرك إلى التوحيد ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن الغي إلى الرشاد ، ومن الظلم إلى العدل، ومن الحيرة والعمى إلى الهدى والبصائر ، فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به ، ومقدار ما كانوا فيه . فإن الضد يظهر حسنه الضد ، وإنما تتبين الأشياء بأضدادها . فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا إليه ، و نفرة وبغضا لما انتقلوا عنه، وكانوا أحب الناس في التوحيد والإيمان والإسلام وأبغض الناس في ضده ، عالمين بالسبيل على التفصيل .
كتاب الفوائد لابن القيم