Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات قرآنية (6) الاستعداد ليوم الحساب

 

 

تأملات قرآنية (6)
الاستعداد ليوم الحساب

 

إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:

أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:

مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:

نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين”. ثم أما بعد: فتعالوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآية الواحدة والثمانين بعد المائتين من سورة البقرة. يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. (البقرة ٢٨١). لقد جعل سبحانه الإيمان باليوم الآخر ركنًا من أركان عقيدة الإسلام، وعلَّق سبحانه صحة إيمان العبد على الإيمان بذاك اليوم. وقرن تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر في تسعة عشر موضعًا في القرآن، منها قوله تعالى: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر}. (البقرة 177) وقوله في حق المطلقات: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}. (البقرة:228) وقال أيضاً مخاطباً أولياء النساء: {من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر} (البقرة:232). ووصف سبحانه المؤمنين بأنهم الذين آمنوا بالله واليوم الآخر، فقال عز من قائل: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر}. (البقرة:62). وبالمقابل فقد رتب سبحانه على الكفر بذاك اليوم ما رتبه على الكفر به، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}. (النساء 136). وأكد سبحانه أن هذا اليوم واقع لا محالة، وأنه لا مفر منه مهما حاول الإنسان ذلك، فقال تعالى: {فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}. (آل عمران 25) وقال أيضًا: {الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا}. (النساء: 87).

وكان من حكمة الله سبحانه أن جعل ذلك اليوم ليجمع الناس فيه على صعيد واحد، فيحاسب المحسن على إحسانه، ويعاقب المسيء على إساءته، ويقتض للمظلوم من الظالم، قال تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب}. (غافر 17) وفي الحديث الصحيح: (حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم، و”الجلحاء” الشاة التي لا قرن لها، و”القرناء” الشاة ذات القرون.

معاشر المؤمنين والمؤمنات:

وعلاوة على ما ذكرنا من الآيات الدالة على وجوب الإيمان باليوم الآخر، فقد ثبت في السنة ما يدل على ذلك ويؤكده، من ذلك حديث جبريل عندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة رجل، سائلًا عن معنى الإيمان والإسلام وغير ذلك من عقائد الإسلام، فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر) رواه مسلم. ومقتضى الإيمان بذاك اليوم يستلزم من المؤمن أن يعلم علم اليقين أن الله سبحانه جامع الناس ليوم لا ريب فيه، وهذا القدر من الإيمان هو الواجب على كل مؤمن، وأما تفاصيل الإيمان باليوم الآخر، كمعرفة علامات هذا اليوم، ومقدماته، وماذا يكون فيه، وغير ذلك من التفاصيل، فهذا من غير الواجب على كل مؤمن معرفته، بل يكفي أن يعلمه البعض ولا يضر الآخرون جهله، فهو من فروض الكفاية التي إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين. فإذا علم المؤمن واعتقد بحق أن ذاك اليوم آتٍ لا مراء فيه ولا جدال، كان عليه أن يَعُدَّ العدة، ويُشمِّرُ عن ساعد الجدِّ استعداداً له، فيعمل جهده لكل ما فيه خير، ويبذل وسعه لتجنب كل ما فيه شر، عملاً بقوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}. ( الزلزلة 7- 8). قال نخبة من المفسرين في معرض تفسير قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. (البقرة ٢٨١): واحذروا – أيها الناس- يومًا ترجعون فيه إلى الله، وهو يوم القيامة، حيث تعرضون على الله ليحاسبكم، فيجازي كل واحد منكم بما عمل من خير أو شر دون أن يناله ظلم. وفي الآية إشارة إلى أن اجتناب ما حرم الله من المكاسب الربوية، تكميل للإيمان وحقوقه من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وعمل الصالحات.

ونقول: ينبغي أن يكون في ذروة الأعمال الصالحة التي تنجي صاحبها من أهوال يوم القيامة, وتبرئ ذمته أمام الله تعالى يوم الحساب: الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والعمل لتحكيم شرع الله, ونصرة دين الله, بحمل الدعوة, والعمل مع العاملين المخلصين لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والجهاد في سبيل الله لنصرة المستضعفين من المسلمين ورفع الظلم عنهم, ولتطهير المقدسات التي دنسها أعداء الله, ولاسترداد ثروات الأمة المنهوبة واستعادة العزة والكرامة التي كان ينعم بها المسلمون قرونا طويلة.

معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:

اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, ويقدرونك حق قدرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.