Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف – الوُلاة

 

 

مع الحديث الشريف

الوُلاة

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى أبو داوود في سننه قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ أَحْمَدُ قَالَ مَرَّةً يَعْنِي هُشَيْمًا عَنْ بَعْضِ وَلَدِ الْعَلَاءِ أَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ كَانَ عَامِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَكَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَيْهِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ

 

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ ابْنِ حُجَيْرَةَ الْأَكْبَرِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: “يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا”

 

جاء في شرح النووي على مسلم:

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا ذَرّ إِنَّك ضَعِيف، وَإِنَّهَا أَمَانَة، وَإِنَّهَا يَوْم الْقِيَامَة خِزْي وَنَدَامَة إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)

وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (يَا أَبَا ذَرّ إِنِّي أَرَاك ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبّ لَك مَا أُحِبّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اِثْنَيْنِ، وَلَا تُوَلَّيَنَّ مَال يَتِيم)،

 

هَذَا الْحَدِيث أَصْل عَظِيم فِي اِجْتِنَاب الْوِلَايَات، لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْف عَنْ الْقِيَام بِوَظَائِفِ تِلْكَ الْوِلَايَة، وَأَمَّا الْخِزْي وَالنَّدَامَة فَهُوَ حَقّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا، أَوْ كَانَ أَهْلًا وَلَمْ يَعْدِل فِيهَا فَيُخْزِيه اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة وَيَفْضَحهُ، وَيَنْدَم عَلَى مَا فَرَّطَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ، وَعَدَلَ فِيهَا، فَلَهُ فَضْل عَظِيم، تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَحَدِيثِ: “سَبْعَة يُظِلّهُمْ اللَّه” وَالْحَدِيث الْمَذْكُور هُنَا عَقِب هَذَا “أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُور” وَغَيْر ذَلِكَ، وَإِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِد عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا فَلِكَثْرَةِ الْخَطَر فِيهَا حَذَّرَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، وَكَذَا حَذَّرَ الْعُلَمَاء، وَامْتَنَعَ مِنْهَا خَلَائِق مِنْ السَّلَف، وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى حِين اِمْتَنَعُوا.

 

استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاة على البلاد التي كان يفتحها الله عليهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر: ولى عتاب بن أسيد على مكة، وولى عمرو بن حزم على اليمن، وولى زياد بن لبيد الأنصاري على حضرموت،  …

 

والوالي هو: الشخص الذي يقلده الخليفة حاكماً على ولاية من ولايات دولة الخلافة وأميراً عليها

 

ويشترط في الوالي ما يشترط في الحاكم: أن يكون رجلاً مسلماً عدلاً حراً بالغاً عاقلاً من أهل الكفاية ….. إذ الولاية هنا تعني الحكم، قال في القاموس المحيط: وَوَلِيَ الشيءَ وَعَلْيِه وِلَايَةً وَوَلَايَةً، أو هي المصدر، وبالكسر: الخُطَّةُ والإمارة والسلطان.

 

كما يجب أن يتخير الوالي من أهل الصلاح للحكم وأُلي العلم المعروفين بالتقوى، وممن يحسنون العمل فيما يُوَلَّوْن، ويشربون قلوب الرعية بالإيمان، ومهابة الدولة، فهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخير ولاته.

 

عزل الوالي:

 

يعزل الوالي إن رأى الخليفة عزله، فقد عزل صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل عن اليمن من غير سبب.

 

أو إذا أظهر جمهرة أهل الولاية أو من ينوبون عنهم عدم الرضا منه، والسخط عليه فقد عزل رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي عامله على البحرين لأن وفد عبد قيس شكاه.

 

… لذا فإن حزب التحرير في دستوره الذي أعده ليطبق في دولة الخلافة القادمة قريباً بإذن الله، يتبنى أن يُنتخب من أهل الولاية مجلسُ ولاية، لغرضين:

 

1-   مساعدة الوالي في تبصيره بواقع ولايتهم … فهم أهلها وأعرف بها،

2-    أخذ رأي المجلس في حكم الوالي إذا لزم الأمر … فإذا شكاه المجلس بغالبيته عزله الخليفة ….

كانت الولاية في العصور الأولى قسمين:

 

1-   ولاية على الصلاة    2- ولاية على الخراج

 

فإما أن يولى الوالي ولاية عامة: على الصلاة والخراج أو ولاية خاصة: على الصلاة فحسب، أو على الخراج فحسب …. فقد ولى الرسول صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد الأنصاري على حضرموت، وعلى صدقاتها فكانت ولايته ولاية عامة، كما ولى فروة بن مسيك على قبائل مراد ومزبيد ومذبج وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكانت ولاية كل منهما ولاية خاصة …. ومن الجدير ذكره أن ولاية الصلاة لا تعني إمامة الناس في صلاتهم فقط بل معناها الولاية عليهم في جميع الأمور ما عدا المال، فكلمة الصلاة كانت تعني الحكم باستثناء جباية الأموال. 

 

وإنه وإن كان يجوز للخليفة أن يُعّيِّنَ والياً ولاية عامة، وأن يعيِّن والياً ولاية خاصة، إلا أن الحزب تبنى في دستوره تولية الوالي ولاية خاصة فيما عدا الأمور التي تُمَكِّنُ الوالي (إن ضعفت تقواه) من الاستقلال عن الخليفة … وهذه الأمور هي الجيش والقضاء والمال، فتجعل كل من هذه الأمور الثلاثة أجهزة منفصلة تتبع الخليفة كأي جهاز آخر من أجهزة الدولة، أي مستقلة عن الوالي، ذلك لما ثبت أيام ضعف الخلافة العباسية أن الولاية العامة مكنت الولاة من الاستقلال بولاياتهم حتى لم يبق للخليفة عليها سوى الدعاء باسمه، وسك النقود باسمه، فكانت الولاية العامة سبباً في الحاق الضرر بالدولة الإسلامية.

 

انتقال الوالي من ولاية إلى أخرى:

 

لا ينقل الوالي من ولاية إلى أخرى لكن يعفى ويولى ثانية، وذلك لأن الرسول r كان يعزل الولاة، ولم يُروَ عنه أنه نقل والياً من مكان إلى مكان.

 

تحري الخليفة لأعمال الولاة ومراقبتهم:

 

على الخليفة أن يتحرى أعمال الولاة وأن يكون شديد المراقبة لهم، سواء أكان ذلك منه مباشرة، أم بتعيين من ينوب عنه للكشف عن أحوالهم، والتفتيش عليهم، وكذلك فإن لمعاون التفويض مراقبة أعمال الولاة في الولايات التي هو معاون فيها وأن يطالع الخليفة بما يراه من أحوالهم، وبما أمضاه من تدبير اتجاههم …. كما أن على الخليفة أن يجمع ولاته جميعاً أو أشتاتا وأن يصغي إلى شكاوى الرعية منهم …. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختبر الولاة حين يوليهم، ويبين لهم كيف يسيرون، وينبههم إلى بعض الأمور المهمة، كما كان يحاسب الولاة ويكشف عن أحوالهم، ويسمع ما ينقل إليه من أخبارهم، وكان يحاسب الولاة على المستخرج والمصرف …  روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:

 

“اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْلَّتَبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا”.

 

هؤلاء هم الولاة … الجهاز الرابع من أجهزة دولة الخلافة … وهذه هي الأحكام التي أحاطتهم وحمتهم من فتنة الحكم والسلطان … نسأل الله تعالى العلي العظيم أن يعجل لنا بالنصر والتمكين … فنرى دولة الخلافة قائمة …. بأجهزتها ورجالها الساهرين على مصالح المسلمين …. والحاملين لرسالة الإسلام إلى العالمين.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.