Take a fresh look at your lifestyle.

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح214) الأرض العشرية فيها الزكاة، والتي فتحت عَنوة يبقى خراجها أبد الدهر

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح214)

الأرض العشرية فيها الزكاة، والتي فتحت عَنوة يبقى خراجها أبد الدهر

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

أيها المؤمنون:

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: “بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ”وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا:”الأرض العشرية فيها الزكاة، والتي فتحت عَنوة يبقى خراجها أبد الدهر”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ والعِشْرين بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ “نظامُ الإسلام” لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

المادة 133: الأَرْضُ العُشْرِيَّةُ هِيَ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيهَا، وَأَرْضُ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَالأَرْضُ الخَرَاجيَّةُ هِيَ الَّتِي فُتِحَتْ حَرْباً أَوْ صُلْحاً مَا عَدَا جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَالأَرْضُ العُشْرِيَّةُ يَـمْلِكُ الأَفْرَادُ رَقَبَتَهَا وَمَنفَعَتَهَا، وَأَمَّا الأَرْضُ الخَرَاجيَّةُ فَرَقَبَتُهَا مِلْكٌ لِلدَّولَةِ، وَمَنفَعَتُهَا يَملِكُهَا الأَفرَادُ، وَيَحِقُّ لِكُلِّ فَردٍ تَبَادُلَ الأَرضِ العُشْرِيَّةِ وَمَنْفَعَةَ الأَرْضِ الخَراجيَّةِ بِالعُقُودِ الشَّرعِيَّةِ وَتُورَثُ عَنْهُمْ كَسَائِر الأَمْوَالِ.

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا،وَهَذِهِ هِيَ تَتِمَّةُ الـمَادَّةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

أولا: الأرض العشرية فيها الزكاة: وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ الدَّولَةُ مِنَ الزَّارِعِ لِلأَرْضِ عُشْرَ النَّاتِجِ الفِعْلِيِّ، إِنْ كَانَتِ تُسْقَى بِمَاءِ الـمَطَرِ سَقْياً طَبِيعِيّاً، وَتَأْخُذُ نِصْفَ العُشْرَ عَنِ النَّاتِجِ الفِعْلِيِّ، إِنْ كَانَتِ الأَرضُ تُسْقَى بِالسَّاقِيَةِ، أَوْ غَيرِهَا سَقْياً اصطِنَاعِيّاً. رَوَى مُسْلِمُ عَنْ جَابِرْ قَالَ: قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فِيمَا سَقَتْ الأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ». وَهَذَا العُشْرُ يُعتَبَرُ زَكَاةً، وَيُوضَعُ فِي بَيتِ الـمَالِ، وَلَا يُصْرَفُ إِلَّا لِأَحَدِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، الـمَذكُورِينَ فِي آيَةِ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (التوبة 60). أَخرَجَ الحَاكِمُ وَالبَيهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذَ، حِينَ بَعَثَهُمَا النَّبِيُّr  إِلَى اليَمَنِ، يُعَلِّمَانِ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ، فَقَالَ: «لاَ تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ».

ثانيا: وأما الأرض الخراجية، ففيها الخراج، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ الدَّولَةُ مِنْ صَاحِبِ الأَرْضِ قَدْراً مُعَيَّناً، تُقَدِّرُهُ، وَتُـحَدِّدُهُ، بِـحَسَبِ إِنتَاجِ الأَرْضِ التَّقدِيرِيِّ عَادَةً، لَا الإِنتَاجِ الفِعْلِيِّ. وَيُقَدَّرُ عَلَى الأَرْضِ بِقَدْرِ احتِمَالِـهَا، حَتَّى لَا يُظلَمَ صَاحِبُ الأَرْضِ، وَلَا بَيْتُ الـمَالِ. ويُحَصَّل الخَرَاجُ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ صَاحِبِ الأَرْضِ، سَوَاءٌ أَزُرِعَتِ الأَرْضُ أَمْ لَـمْ تُزْرَعْ، وَسَوَاءٌ أَخْصَبَتِ أَمْ أَجْدَبَتْ.

أَخرَجَ أَبُو يُوسُف فِي الخرَاجِ عَنْ عَمْرٍو بْنِ مَيمُون، وَحَارِثَةَ بْنِ مَضْرِب، قَالَ: «بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ عَلَى السَّوَادِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَهُ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ، مِمَّا يُعْمَلُ مِثْلُهُ، دِرهَـماً وَقَفِيزاً». وَحَدَّثَ الحَجَّاجُ بْنُ أَرْطأَةَ عَنِ ابنِ عَوفٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ t مَسَحَ السَّوَادَ، مَا دُونَ جَبَلِ حَلْوَانَ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ جَريِب ٍعَامِرٍ أَو غَامِرٍ يَنَالُهُ الـمَاءُ بِدَلْوٍ أَوْ بِغَيرِهِ، زُرِعَ أَوْ عُطِّلَ، دِرهَـماً وَقَفِيزاً وَاحِداً». أَخرَجَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الخَراجِ.

وَجُعِلَ الخَراجُ عَلَى الأَرْضِ الخَراجيَّةِ، فَذَلِكَ لِأَنَّ الخَراجَ اسْمٌ لِلكِرَاءِ وَالغَلَّةِ، وَمِنهُ قَولُ النَّبِيِّ r: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ». (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَقَالَ التِّرمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ)، وَالأَرضُ هُنَا مِلْكٌ لِبَيتِ الـمَالِ، فَتُعطَى لِلنَّاسِ لِلانتِفَاعِ بِـهَا، وَيُضْرَبُ عَلَيهَا قَدْرٌ مَعْلُومٌ مِنَ الـمَالِ سَنَوِياً، فَهُوَ بِـمَنـزِلَةِ الكِرَاءِ عَلَيهَا، وَلِذَلِكَ يَرجعُ تَقدِيرُهُ لِلخَلِيفَةِ، وَلَكِنْ لَا يَزِيدُ عَمَّا تَـحْتَمِلُ الأَرْضَ. وَيُوضَعُ الخَراجُ فِي بَيتِ الـمَالِ فِي غَيرِ بَابِ الزَّكَاةِ، وَيُصْرَفُ عَلَى جَمِيعِ الوُجُوهِ الَّتِي تَرَاهَا الدَّولَةُ، كَمَا يُصْرَفُ سَائِرُ الـمَالِ.

ثالثا: الأرض التي فتحت عَنوة وضرب عليها الخراج يبقى خراجها أبد الدهر: فَإِنْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا أَوْ بَاعُوهَا إِلَى مُسْلِمٍ لَـمْ يَسْقُطْ خراجُهَا؛ لِأَنَّ صِفَتَهَا مِنْ كَونِـهَا فُتِحَتْ عَنوَةً بَاقِيَةٌ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَوَجَبَ عَلَيهِمْ دَفْعُ العُشْرِ مَعَ الخَراجِ؛ لِأَنَّ الخرَاجَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَى الأَرْضِ، وَالعُشْرُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَى نَاتِجِ أَرْضِ الـمُسْلِمِ بِالآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ، وَلَا تَنَافِيَ بَينَ الحَقَّينِ؛ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا بِسَبَبَينِ مُختَلِفَينِ. وَأَمَّا مَا استَدَلَّ بِهِ الأَحْنَافُ، عَلَى عَدَمِ الجَمْعِ بَينَ العُشْرِ وَالخرَاجِ، مِنْ حَدِيثٍ يَروُونَهُ عَنْ رَسُولِ الله r: (لَا يـَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَراجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ) فَإِنَّهُ لَيسَ بِـحَدِيثٍ، وَلَـمْ يُثْبِتْهُ الـحُفَّاظُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّسُولِ r.وَيُبـدَأُ بِأَدَاءِ الخَراجِ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ أَدَاءِ الخَراجِ، مِـمَّـا تَـجبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، مْنْ زُرُوعٍ وَثِـمَارٍ، مَا يَبلُغُ النِّصَابَ، تُخرَجُ مِنهُ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَـمْ يَبلُغِ النِّصَابَ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيهِ.

وَهَكَذَا فَإِنَّ الـمُسْلِمَ إِذَا مَلَكَ أَرْضاً عُشْرِيَّةً، فَعَلَيهِ الزَّكَاةُ عَلَى وَجْهِهَا «العُشْرُ أَو نِصْفُ العُشْر»، وَإِذَا مَلَكَ أرْضاً خَرَاجيَّةً فَعَلَيهِ الخرَاجُ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ، أَيِ العُشْرُ أَوْ نِصْفُ العُشْرِ. 

وَأَمَّا الكَافِرُ فَإِذَا مَلَكَ أَرْضاً خرَاجيَّةً فَعَلَيهِ الخرَاجُ، وَإِذَا مَلَكَ أَرْضاً عُشْرِيَّةً فَعَلَيهِ الخرَاجُ لَا العُشْر؛ لِأَنَّ الأَرْضَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَخْلُوَ عَنْ وَظِيفَةٍ، وَلَـمَّا كَانَ الكَافِرُ لَيسَ مِنْ أَهْلِ العُشْرِ تَعَيَّنَ الخَراجُ.

وَمَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيتَةً فِي أَرْضِ الخرَاجِ، لَـمْ يَسْبِقْ أَنْ ضُرِبَ الخرَاجُ عَلَيهَا، تُصْبِحُ أَرْضاً عُشْرِيَّةً «فِيهَا الزَّكَاةُ» إِذَا أَحْيَاهَا مُسْلِمٌ، وَتَكُونُ أَرْضاً خرَاجيَّةً «عَلَيهَا خَراجٌ» إِذَا كَانَ الَّذِي أَحْيَاهَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَمَنْ أَحْيَا أَرضاً مَيتَةً فِي أَرْضِ الخرَاجِ، سَبَقَ أَنْ وُضِعَ عَلَيْهَا الخرَاجُ قَبْلَ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى أَرْضٍ مَيتَةٍ، فَإِنَّهَا تَكُونُ أَرْضاً خراجيَّةً، سَوَاءٌ أَكَانَ الَّذِي أَحْيَاهَا مُسْلِماً أَمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

هَذَا إِذَا كَانَ الإِحْيَاءُ لِلزَّرعِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِلسُّكْنَى، أَوِ لِإِقَامَةِ مَصَانِعَ، أَوْ مَخَازِنَ، أَوْ حَظَائِرَ، فَإِنَّهُ لَا عُشْرَ فِيهَا وَلَا خرَاجَ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَينَ أَرْضِ العُشْرِ، وَأَرْضِ الخرَاجِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ فَتَحُوا العِرَاقَ وَمِصْرَ قَدِ اختَطُّوا الكُوفَةَ، وَالبَصْرَةَ، وَالفُسْطَاطَ، وَنَزَلُوهَا أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَنَزَلَ مَعَهُمْ غَيرُهُمْ، وَلَـمْ يَضْرِبْ عَلَيهِمُ الخرَاجَ، وَلَـمْ يَدْفَعُوا زَكَاةً عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجبُ عَلَى الـمَسَاكِنِ واَلـمَبَانِي. وَالأَرْضُ العُشْرِيَّةُ وَالخرَاجيَّةُ يَحِقُّ تَبَادُلُـهَا، وَتُورَثُ عَنْ مَالِكِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ حَقِيقِيٌّ لِـمَالِكِهَا فَتَنطَبِقُ عَلَيهَا جَمِيعُ أَحْكَامِ الـمِلْكِ. وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلأَرْضِ العُشْرِيَّةِ ظَاهِرٌ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلأَرْضِ الخرَاجيَّةِ فَإِنَّ مِلْكِيَّتَهَا كَمِلْكِيَّةِ الأَرْضِ العُشْرِيَّةِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ مِنْ حَيثُ الـمِلْكِيَّةُ، وَلَا فَرْقَ بَينَهُمَا إِلَّا فِي أَمْرَينِ اثنَينِ فَحَسْب: أَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِعَينِ مَا يـُمْلَكُ، وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ لِـمَا يجِبُ عَلَى الأَرْضِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِعَينِ مَا يُـمْلَكُ، فَإِنَّ مَالِكَ الأَرْضِ العُشْرِيَّةِ يَـمْلِكُ رَقَبَتَهَا وَمَنْفَعَتَهَا، وَمَالِكُ الأَرْضِ الخرَاجيَّةِ يـَمْلِكُ مَنفَعَتَهَا فَقَط، وَلَا يَـمْلِكُ رَقَبَتَهَا.

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَالِكَ الأَرْضِ العُشْرِيَّةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوقِفَ أَرضَهُ الَّتِي يَملِكُهَا فَإِنَّهُ يَستَطِيعُ ذَلِكَ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَشَاءُ، لِأَنَّهُ يَـمْلِكُ عَينَهَا أَيْ رَقَبَتَهَا. وَأَمَّا مَالِكُ الأَرْضِ الخرَاجيَّةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوقِفَ أرْضَهُ الَّتِي يَـمْلِكُهَا فَإِنَّهُ لَا يَستَطِيعُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الوَقْفَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الوَاقِفُ مَالِكاً لِعَينِ مَا يَقِفُهُ، وَمَالِكُ الأَرْضِ الخرَاجيَّةِ لَا يَـمْلِكُ عَينَ الأَرْضِ أَيْ رَقَبَتَهَا، وَإِنـَّمَا يَـمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا، لِأَنَّ رَقَبَتَهَا مِلْكٌ لِبَيتِ الـمَالِ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِـمَا يَـجبُ عَلَيهِ فِي الأَرْضِ، فَإِنَّ الأَرْضَ العُشْرِيَّةَ يَـجبُ فِيهَا العُشْرُ أَو نِصْفُ العُشْرِ، أَيْ تَـجبُ فِيهَا الزَّكَاةَ عَلَى عَينِ الخَارجِ إِذَا بَلَغَ نِصَاباً. وَأَمَّا الأَرضُ الخرَاجيَّةَ فَيَجبُ فِيهَا الخَراجُ، أَيِ الـمِقْدَارُ الَّذِي تُعَيِّنُهُ الدَّولَةُ سَنَوِيّاً عَلَيهَا، سَوَاءٌ أَزُرِعَتْ أَمْ لَـمْ تُزْرَعْ، أَنْبَتَتْ أَمْ لَـمْ تُنْبِتْ، أَخْصَبَتْ أَمْ أَجْدَبَتْ. هَذَانِ الأَمْرَانِ فَحَسْبُ هُمَا اللَّذَانِ يَفْتَرِقُ فِيهِمَا حُكْمُ الأَرْضِ الخرَاجيَّةِ عَنِ الأَرضِ العُشْرِيَّةِ، وَمَا عَدَاهُمَا لَا يُوجَدُ أَيُّ فَرْقٍ بَينَهُمَا، فَإِنَّ أَحْكَامَهُمَا وَاحِدَةٌ هِيَ أَحْكَامُ مِلْكِيَّةِ الـمَالِ، وَلِهَذَا يَحِقُّ تَبَادُلُ الأَرْضِ عُشْرِيَّةً كَانَتْ أَو خرَاجيَّةً بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرعِيَّةِ مِنْ عُقُودٍ وَغَيرِهَا، وَتُورَثُ عَنْ مَالِكِهَا كَسَائِرِ الأَمْوَالِ.

أيها المؤمنون:

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.