Take a fresh look at your lifestyle.

أَبِتّباع “الشيطان الأكبر”؟!

أعلن علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، “أن إيران عادت إلى وضع الإمبراطورية كما كانت طيلة تاريخها، مضيفًا أن العراق بات عاصمة لهذه الإمبراطورية التي تدافع عن شعوب المنطقة ضد التطرف الإسلامي والإلحاد والعثمانية الجديدة”.

إن تصريحًا بهذا الوضوح وفي هذا الوقت بالذات ومن مسؤول رفيع المستوى في إيران، يستدعي من كل واعٍ مخلصٍ أن يتوقف عند مدلولاته للبناء عليها سلبًا أو إيجابًا.

أولًا: هل قال لنا المستشار يونسي كيف عادت إيران إلى وضع الإمبراطورية من جديد؟

هل يعني تصريحه هذا أن الشيطان الأكبر “أمريكا” قد توصلت إلى قناعة راجحة بالاعتماد على إيران للإمساك بالمنطقة المحيطة بها كما كانت أيام الشاه رضا بهلوي، بل أكثر من ذلك للوصول إلى حدود الصين كما زعم المستشار في تصريحه؟ فإذا كان المستشار يعرف، ومعه حكام إيران، أن هكذا إمبراطورية مزعومة لا يمكن الوصول إليها إلا بمساعدة الشيطان الأكبر الأمريكي وتخطيطه وتمهيده وتنفيذه أيضًا، إن كان يعرف ذلك فتلك مصيبة وإن كان لا يدري فالمصيبة أكبر.

ألا يدري حضرة المستشار أن أمريكا “الشيطان الأكبر” ليس لديها حليف أو شريك في السياسة، بل تتعامل مع حكام المسلمين كعملاء وضعاء، عليهم الانقياد والتنفيذ لتحقيق المصالح الأمريكية حتى ولو تعارضت مع مصالح البلاد التي يحكمها هؤلاء العملاء. فماذا تسمي يا حضرة المستشار مساعدة إيران لأمريكا في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن وبعدها في سوريا ولبنان رغم ما يسيل في تلك البلاد من دماء المسلمين، وأحقاد تُزرع بينهم، ومشاكل مع غير المسلمين، أليس هذا تنفيذًا لسياسة أمريكا في بلداننا الإسلامية التي أصبحت استراتيجيتها واضحة المعالم لكل ذي عقل سليم بأنها تريد القتل والدمار والبغضاء بين المسلمين، وتريد من ينفذ لها هذه السياسة الوسخة بأيدي المسلمين أنفسهم، سواء على أساس مذهبي، أو على أساس قبلي، أو على أساس تكفيري، أو على أساس عرقي؟

ألا ترى يا حضرة المستشار، ومعك حكام إيران، أن ما تقومون به من تقتيل للمسلمين، بحجة محاربة التكفيريين تارةً، وحجة حماية الأماكن والمقامات الدينية تارةً، وبحجة حماية من يحملون الهوية المذهبية لإيران تارةً أخرى، ألا ترى أن هذا بالفعل هو ما تريده أمريكا من إيران لتسعير نار القتال بين المسلمين؟ ألا ترون ذلك يا حكام إيران أم على قلوبٍ أقفالها؟

ثانيًا: إذا كان ما تقوم به إيران من قتل ودمار وإثارة أحقاد تسميه يا حضرة المستشار دفاعًا عن شعوب المنطقة ضد التطرف الإسلامي والإلحاد والعثمانية الجديدة كما زعمت في تصريحك، فقل لي بالله عليك أين هو الدفاع عن شعوب المنطقة الذي تدعيه إيران، وضد من إذا كانت الحروب الطاحنة تخاض ضد هذه الشعوب نفسها التي تدعي الدفاع عنها يا حضرة المستشار؟

لقد ذكرت ثلاثة أعداء في تصريحك لقتالهم وهي: التطرف الإسلامي، والإلحاد، والعثمانية الجديدة.

أما التطرف الإسلامي فهل يكون التصدي له بالحرب والدم والقتل لتقويته، أم بالعقل والحكمة وتبيان الفهم الإسلامي الصحيح والتطبيق العادل والجامع في الإسلام دون تمييز بين مسلم وآخر مهما خالفني الرأي؟ ثم من يعطيك يا حضرة المستشار تفويضًا لقتال هذا أو ذاك من المسلمين وغيرهم بحجة التطرف التي ليس عندك عليها من الله سلطان وبرهان؟ ولكنها أمريكا التي أرادت ذلك يا حضرة المستشار.

أما الإلحاد فلا نرى فيكم من يقوم بالتصدي له منذ قيام دولتكم لتاريخ يومنا هذا، فاعذرنا يا حضرة المستشار إن فضحنا أمرك وعدم صحة قولك.

أما العدو الذي ذكرته وسميته “بالعثمانية الجديدة” وتقول بأنك تريد أن تحمي شعوب المنطقة منه، فوا عجبًا من ذلك لأنك تعرف كما يعرف حكام إيران أن حكام تركيا الحاليين يسيرون في سياسة ترضاها أمريكا بل تريدها، وكذلك سياستكم في إيران.

ألا ترون أن أمريكا تريد أن تستغلكم كما تستغل حكام تركيا ومصر وغيرهم من حكام المسلمين في هذه المنطقة لإيجاد أقطاب وأتباع يجرون شعوب المنطقة الإسلامية إلى حروب فيما بينها تحقيقًا لمصالحها الاستراتيجية لتحرقها وتعجنها وتعيد صياغتها من جديد بعد أن تشعر أن الظروف أصبحت ملائمة لها وأن الطبخة قد أصبحت جاهزة للأكل حسب اعتقادها؟

وثمة ملاحظة حول تصريحك يا حضرة المستشار، حيث إننا لم نقرأ في تصريحك شيئًا عن الكيان المغتصب لفلسطين وكونه عدوًا يجب قتاله وإزالته من الوجود كما كنتم تزعمون! فهل وقع هذا سهوًا؟ أم أن التعليمات الأمريكية الجديدة طلبت تحييد العداء لكيان يهود والتركيز على العداء للمسلمين لتسعير القتال بينهم لأن هذا يريح أمريكا والكيان المسخ ليهود أيضًا؟

هذا كله في السياسة، أما من الناحية الشرعية فقل لي يا حضرة المستشار من أين جئتم بالدليل الشرعي الذي يجيز لكم قتال بعض المسلمين والتحريض على بعضهم الآخر سواءً أكانوا تكفيريين أم عثمانيين جدداً حسب قولك؟ ثم أليس هذا المنطق ينعكس عليكم؟ حيث تكفّرون الآخرين الذين يكفّرونكم فينسحب عليهم المنطق نفسه لقتالكم أيضًا، وهذا عينه ما تريده أمريكا ودول الغرب كله. وكذلك دعوتكم لقتال “العثمانية الجديدة” تحمل في طياتها دعوة صريحة لقتال إمبراطوريتكم الفارسية المذهبية والتي سيكون ضحيتها مئات الآلاف من المسلمين من هذا الطرف أو ذاك، والذين تتحملون أنتم وغيركم من حكام المسلمين المحرضين والمساعدين على الاقتتال المسؤولية الشرعية عنها أمام الله سبحانه.

ثالثًا: وحتى لا تظنوا أن الأمور ستسير حسب ما تخطط له أمريكا وتساعدونها عليه للأسف الشديد، أنتم وغيركم من حكام المسلمين، نقولها لك يا حضرة المستشار كلمة صادقة مباشرة بأن أمتنا الإسلامية فيها الخير الكثير كما قال الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم : «أمتي كالمطر، لا يدرى، الخير في أوله أم في آخره».

وإن المخلصين الواعين فيها يعملون ليل نهار لتوعية الأمة لإيجاد رأي عام فيها يخولها رؤية الأمور على حقيقتها ويؤدي في نهاية الأمر إلى تسليم قيادتها لأبناء الأمة المخلصين الواعين ليقوموا بتطبيق نظام الإسلام كاملًا وعلى الجميع، وللعمل الجاد الحقيقي لجمع المسلمين كلهم في دولة واحدة ترعى شؤونهم رعاية حقيقية دون تمييز بين مذهب وآخر، وتجمع طاقات المسلمين كلها، وتحفظ أموالهم وأعراضهم ودماءهم، وكذلك أموال وأعراض ودماء غير المسلمين الذين يحملون التابعية للدولة، وعندها نعمل جميعًا على قطع اليد التي تمتد لتسرق خيراتنا وتفرق بيننا، ونُظهر عدل الإسلام وحُسن تطبيقه ليدخل الناس في دين الله أفواجًا، بدل تخويفهم منه كما تفعل أمريكا ومن يساعدها في ذلك.

فإلى العمل لتحقيق هذه الدولة الجامعة العادلة ندعو الجميع لتكون النور أمام الظلام والحق ضد الباطل، ولننعم في كنفها بنعمة الإسلام والوحدة والوعي وحمل الدعوة لغير المسلمين، بدل ما نشهده هذه الأيام من دعوات إلى الاقتتال فيما بيننا تحقيقًا لمصالح الكفار وعلى رأسهم أمريكا “الشيطان الأكبر”.

هذا ما نراه يا حضرة المستشار لحل مشاكلنا كلها بدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهلا أرشدكم الله وفتح صدوركم للعمل لها لجمع كلمة المسلمين بدل تفريقها، وللحفاظ على دمائهم بدل هدرها، وعملًا لرعاية مصالحها رعاية حقيقية بدل تحقيق مصالح عدوها وعدو الله أمريكا ومعها، كيان يهود المغتصب لفلسطين؟

إلى ذلك ندعوك يا أيها المستشار وندعو جميع المسلمين أيضًا، وإن لم تفعلوا فعلى الأقل أن تتقوا الله سبحانه في دماء المسلمين لأنكم عندها ستخسرون الدنيا والآخرة.

والأهم من هذا كله أن يكون كل عملنا سعيًا لنوال رضوان الله سبحانه.
والحمد لله رب العالمين

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزب لحزب التحرير
الدكتور محمد جابر
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية لبنان


 

 

2015_03_14_Art_Is_it_by_following_the_great_shaytan_AR_OK.pdf