Take a fresh look at your lifestyle.

ردة فعل تركيا لخطة الولايات المتحدة بشأن الدولة الكردية

 

بعد الغزو الأمريكي للعراق وضعت أمريكا على جدولها خطة تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام لإعادة تشكيل الأراضي العراقية من جديد، مع أنها كانت تؤجل ذلك منذ فترة. فكانت سعيدة جدا بوصول حكومة المالكي إلى السلطة بدعم من إيران. كذلك فقد تمكنت من تأسيس حكومة كردية إقليمية بزعامة مسعود البرزاني في الشمال. وفي الوقت ذاته حققت سياسة التوازن بجعل جلال الطالباني في منصب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت.

إن استجابة تركيا للدولة الإقليمية التي سمحت أمريكا بإقامتها في شمال العراق بزعامة البرزاني كانت حادة. وقد رفضت إدارة بوش طلب إرسال جنود إلى العراق من أجل توفير الاستقرار في العراق بعد تمرير الاقتراح العراقي في البرلمان، حتى لا تسمح بحصول مواجهة بين تركيا والحكومة الإقليمية في شمال العراق.

إلا أن العلاقات الطيبة بين تركيا وحكومة البرزاني قد تطورت فيما بعد؛ سواء في تجارة الطاقة أو في مجال البناء. بمعنى أن تركيا اعتادت بشكل طبيعي على حكومة البرزاني في شمال العراق، وتم إقامة علاقات وإجراء زيارات حكومية متبادلة.

تُعدّ الثورة السورية زلزالاً قلب السياسة الأمريكية الآيلة للسقوط على رأسها في الشرق الأوسط. حيث إنه لم يكن يُتوقع لا إقليميا ولا دوليا أي تطور مثل هذا في سوريا.

بعد ذلك ابتدعت الولايات المتحدة لعبة تمديد الثورة السورية، فقدمت الدعم للنظام البعثي. وقام نظام البعث بسحب قواته الموجودة في الشمال وتجميعها في دمشق وبذلك زادت قوته. وقام بإخلاء مناطق شمال سوريا ليحل محله فيها حزب العمال الكردستاني في سوريا (PYD). وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلا من تركيا وأمريكا لم تعترضا في تلك الفترة على سيطرة PYD على منطقة شمال سوريا؛ لأن الاستراتيجية المشتركة كانت تتمثل بتأجيل انهيار النظام البعثي، وقد تحركت أمريكا وتركيا معا من أجل ذلك.

كانت الخطة تجري في الشرق الأوسط على أراضي العراق والشام، التي طالما كانت مسرحا لأطماع الدول الكبرى، إلا أن هناك عاملاً جديداً قد ظهر ليعيد صياغة التكتيكات من جديد، وهو الثورة السورية. حيث إن انهيار النظام السوري نتيجة هذه الثورة سوف يعطل جميع الخطط في المنطقة، وسيتم عزل جميع اللاعبين فيها، وانكفائهم إلى دولهم. إن اللاعبين في المنطقة يفهمون هذا بشكل واضح جدا. لذلك فإن الولايات المتحدة باعتبارها لاعبا أساسيا تعمل على إبقاء خطتها حيّة في تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام؛ وإقامة ثلاث دول منفصلة؛ وذلك بضم سوريا إليها من أجل القضاء على الثورة السورية وما يمكن أن ينتج عنها.

هناك دولة للشيعة موجودة فعليا في جزء من العراق. وربما ترغب كذلك بالاستفادة في شمال سوريا من خلال تجربتها مع برزاني في شمال العراق، ويمكن أن تقوم بإنشاء حكومة إقليمية في شمال سوريا كما في شمال العراق في حال لم تبقَ أي قوة قادرة على المحافظة على الأراضي السورية وتوحيدها من جديد.

فكيف ستكون ردة فعل تركيا على إنشاء دولة كردية في شمال سوريا وشمال العراق؟

بفضل الولايات المتحدة فإنه لا يمكن تسريب حتى المياه من بين برزاني وتركيا، إلا أنه يجري حاليا البحث عن حل للمشكلة التي نتجت عام 2012 من ترك PYD في المنطقة بعد انسحاب الأسد من شمال سوريا. ففي حديثه الذي أجراه رئيس الجمهورية أردوغان مع الصحفيين في الطائرة لدى عودته من زيارة لاتفيا في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2014، يشير إلى كيفية نظرة تركيا إلى هذه المسألة عندما تحدث حول مرور البشمركة إلى كوباني لمحاربة تنظيم الدولة، حيث يقول: “أنا ملزم بقول هذا من أجل القضاء على التكهنات، كان الهدف مرور حوالي ألفين من البشمركة إلى كوباني، كانوا سيرسلون 500 في المرحلة الأولى، إلا أن PYD طلبوا خفض العدد إلى 155، حتى إنهم لم يريدوا الـ 155 جميعهم. وقالوا “أرسل لنا أسلحة ثقيلة”. إلا أن حكومة شمال العراق قالت “لا نريد إرسال السلاح لكم، وإنما سنرسله مع عناصرنا، ونعيده معهم مجددا”، واتفقنا على أن هذا سيتم تحت سيطرتنا”.

إن الولايات المتحدة وتركيا لا تريدان للهيئات المستقلة الصغيرة التي على شكل أقاليم تم تأسيسها من قبل PYD في شمال سوريا أن تستمر لمدى طويل. كذلك فإن الولايات المتحدة تريد السيطرة عليهم من خلال برزاني لثقتها بنجاح تجربته في العراق، وتركيا أيضا تريد ذلك. لذلك فإن تركيا لم تُرِد أن تكون قوات البشمركة وحدها في كوباني، بل أيضا الجيش السوري الحر، الذي يبدو أنه تحت سيطرة المخابرات التركية أصلا.

والخلاصة أن قبول تركيا للدولة الكردية المزمع إنشاؤها في شمال العراق وسوريا ليس هو ضمن إرادتها. فإذا شعرت أمريكا بقرب تهديد سقوط الأنظمة في العراق وسوريا وإقامة نظام إسلامي، فإنها ستعمل فوراً على استخدام ورقاتها السنية والشيعية والكردية من أجل القضاء على هذا التهديد وتحطيم قوة هذين البلدين. ولا يمكن لتركيا حينها أن تقول “لا” لذلك.

كما أن ما تريده تركيا بشأن الدولة الكردية هو تقوية آلية هذه الدولة بحكم واحد فقط، وهو حكم برزاني. بالإضافة إلى أن سيطرة برزاني ستوفر مساهمة في عملية الحل التي تقوم بها تركيا مع عبد الله أوجلان.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


محمود كار


رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا

 

 

 

2015_03_01_Art_Turkish_reaction_on_the_American_plan_for_the_Kurdish_state_AR_OK.pdf