Take a fresh look at your lifestyle.

مع القرآن الكريم –  وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً

 

قال تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }. (سورة النحل: آية 112).

جاء في تفسير فتح القدير للإمام محمد بن علي الشوكاني «وقد اختلف المفسرون هل المراد بهذه القرية قرية معينة، أو المراد قرية غير معينة، بل كل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة؟ فذهب الأكثر إلى الأول وصرحوا بأنها مكة، وذلك لما دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام. والثاني الأرجح. لأن تنكير قرية يفيد ذلك، ومكة تدخل في هذا العموم البدلي دخولاً أولياً، وأيضاً يكون الوعيد أبلغ، والمثل أكمل، وغير مكة مثلها، وعلى فرض إرادتها ففي المثل إنذار لغيرها من مثل عاقبتها.

 

وأقول يؤيد هذا كذلك ما جاء في سورة الإسراء قال تعالى: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } إذن فالعاقبة واحدة لكل بلد عَتَتْ عن أمر ربها، وكفرت بأنعمه، وفسق أهلها ومترفوها. فكان عاقبة أمرها خُسْراً.

آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً } أي لا يخاف أهلها ولا ينزعجون.

يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ } أي يجلب إليها الرزق وفيراً واسعاً من كل مكان.

وقال: { لِبَاسَ الْجُوعِ } وذلك لما يترك الجوع من أثر على الجسد كله فكأنه لباس تلبس به.

وقال: { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } فذكر الوصف ملائماً للمستعار له وهو الخوف والجوع فأطلق الذوق على الجوع والخوف حيث أنه جرى عندهم أي العرب استعمال الذوق في هذا المقام مجرى الحقيقة ومن ذلك قول الشاعر:

ومن يذق الدنيا فإني طعمتها         وسيق إلينا عذبها وعذابها

 

وفي الوقت الذي يتحدث فيه عن القرية كان المراد أهل القرية، وليست الدور والقصور ولا العمارة والعمران بل المراد أهل القرية، وذلك عبر عنه بقوله: { بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } .

ولهذا كانت عاقبة كفر النعمة، وإظهار المعاصي، وبطر العيش، والترف فيه كانت عاقبة كل ذلك التدمير والخسران، واستبدال الجوع والخوف بالأمن والطمأنينة. تلك سنة الله في خلقه. فهل يعتبر الناس مما هو واقع بهم، ويحس القارئ لهذه الآيات كأنها موجهة اليوم إلى الناس في واقعهم الحال. ومن هذه المدن من قضى نحبه ومنها ما يصطلي بنارها، ومنها من ينتظر، نسأل الله اللطف بالمسلمين، ونأمل من المسلمين أن يعتبروا، قبل أن يحق عليهم القول. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.